وأما إذا كانت مميزة بشرط التمييز، فترد إلى التمييز كما في الحيض.
وقوله في الكتاب:"فحكمها حكلم الحائض في شرط التمييز" غير مجرى على إطلاقه، لأنّا نعتبر في الحيض ثلاثة أمور، ألا ينقص القوي عن يوم وليلة، وأن لا يزيد على خمسة عشر، وأن لا ينقص الضّعيف عن خمسة عشر، والذي يعتبر من ذلك هاهنا ألا يزيد القوي على أكثر النّفاس، وهو ستون يوماً، وهي بمثابة الخمسة عشر في الحيض، أما في طرف القلة، فلا ضبط، وكذلك لا يعتبر للضّعيف حدّ معين.
قال الرافعي: في النَّاسِيَة لعادة نفاسها قولان كما في النَّاسية لعادة الحيض.
فعلى قول: ترد إلى ما ترد إليه المبتدأة.
وعلى قول تؤمر بالاحتياط، وعلى هذا فلو كانت مبتدأة في الحيض، وجب الاحتياط أبداً؛ لأن أول حيضها لا يعلم، وقد بيّنا أن المبتدأة إذا لم تعرف وقت ابتداء الدم كانت كالمتحيرة، وإن كانت معتادة في الحيض ناسية لعادتها، فكذلك تستمر على الاحتياط، وإن كانت ذاكرة لعادة الحيض، فهذه يلتبس عليها الدور لالتباس معترض النفاس، وهي بمثابة ناسية لوقت الحيض عارفة بقدره، وقد سبق القول فيها.
وقوله:"والرد هاهنا إلى المبتدأة أولى" لا يقتضي ترجيح هذا القول على قول الاحتياط، بل المراد أن هذا القول أظهر منه في الحيض؛ لأن وقت النّفاس معلوم بالولادة، وتعيين أول الهلال للحيض تَحكُّم على أن إمام الحرمين رجح قول الرد إلى المبتدأة هاهنا على قول الاحتياط، فيجوز أن يكون ما ذكره في الكتاب جرياً على موافقته.
وقوله:"المتحيرة إذا نسيت عادتها" في اللفظ زيادة مستغنى عنها، لأنها لا تكون متحيرة إلا إذا نسيت عادتها وقد تجعل المتحيّرة مع الناسية اسمين مترادفين -كما سبق- فلو اقتصر على قوله المتحيرة في النّفاس لما ضر.