وأغْرَبَ الأستاذ أبو منصورٍ، فحَكَى عن بعض الأصحاب: أنه: إذا كان في الورثَةِ رشيدٌ، قام بهذه الأمور، وإن لم ينصبه القاضي، ولا شَكَّ أن في هذا العَقْد شخصاً، يُوصَى إليه، وشخصاً يُوصِي، وشيئاً يُوصَى به وصيغة يوصَى بها، وهذه الأمور هي التي سماها أركاناً، الأول الوصي وله شروط.
أحدها: التكليفُ فالصبي والمجنون، لا يوصَى إليهما؛ لأنهما لا يملكان التصرف لأنفسهما؛ فكيف يتصرفَّان لغيرهما؟ ولأن في الوصاية معنى الأمانة، ومعنى الوكالة؛ من حيث إِنَّهَا تعتمد تفويضاً من الغير، ومعنى الولاية من حيثُ إِن الموصِي يتصرَّف لعاجز، وهما لا يتأهلان لهذه المعاني.
والثاني: الحرية؛ فلا تصحُّ الوصية إلى العبد؛ لأنه لا يتصرَّف في مال ابنه فلا يصلح وصيّاً لغيره؛ كالمجنون، ولأنها تستدعِي فراغاً، وهو مشغولٌ بخدمة السيد.
والمكاتَبُ ومَن بعضُه حُرٌّ -كالقن، وكذا المدبَّر، وأمُّ الولد، نَعَم، في مستولدته ومدبَّره خلافٌ مبنيٌّ على أن صفات الوصيِّ تعتبر حَالَةَ الوصايَةِ، أم حالة المَوْت، وسيأتي -إن شاء الله تعالى-.
وقال مالك وأحمد: تصحُّ الوصية إلى العبد.
وقال أبو حنيفة: لا يُوصِي إلَى عبد غيره؛ ويجوز أن يُوصِيَ إلَى عبد نفسه، إذا لم يكن في ورثته رشيد، وجَوَّز الوصاية إلى المُكَاتَبِ.
والثالث: الإِسلام؛ فلا يجوزُ أن يوصِيَ المسلم إلى الذمِّيِّ، وفي وصاية الذمِّيِّ إلى الذِّمِّيِّ وجهان.
أحدهما: المنعُ؛ كما لا يجوز شهادةُ الكافِرِ للمسلم ولا للكافر.
وأظهرهما: الجوازُ، وبه قال أبو حنيفة؛ كما يجوز أن يكون وَليّاً لأولاده، وهذا ما ذَكَرَهُ في الكتاب.
ويجوز وصاية الذمِّيِّ إلى المسلم، كما يجوز شهادة المسلم على الذمِّيِّ، وقد تثبت له الولايةُ على الذمِّيِّ؛ ألا تَرَى أنَّ الإمام يلي تزويجَ الذِّمِّيَّات؟
والرابع: العدالةُ؛ فلا تجوز الوصايةُ إلى الفاسق؛ لما فيها من معنى الأمانة، والولاية، وبهذا قال أحمد -رحمه الله- في إحدى الروايتين.
والثانية: يجوزُ ويُضَمُّ إليه أمينٌ، وعند أبي حنيفة -رحمه الله- تصحُّ الوصاية إليه، ولو تصرَّف نفَذَ، ولكنَّ القاضي لا يقرُّه عليها، وفرق الشافعيُّ -رضي الله عنه- بين الوصاية والوكالة؛ حيثُ يجوز توكيل الفاسق؛ بأن الوصاية في حق الغير، وفي مثله في الوكالة تشترط العدالة أيضاً؛ حتَّى لا يُوَكِّلَ الأبُ فاسقاً في مال ولده، ولا يودِعَ