وأَما بعده -صلى الله عليه وسلم- فقد نَقَلَ صاحب الكتاب وآخرون: أن فيها ثلاثَةَ أَقْوَالِ والمشهورُ الأَولُ والثالث:
أَحدها: أَنها للمصالح؛ لأنها كانت للنبيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَمصْرِفُها بعده للِمصَالِح؛ كخمس الخمس.
والثاني: أَنها تقسَّم كما يقسَّم الخمْس وعَلَى هذا فينْقَسِم خُمْس الفيء بخَمْسَة أَسْهُمْ، كما دَلَّ عليه ظاهرُ قوله تعالَى:{مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ}[الحشر: ٧]، وما قدَّمنا أَن القسْمَة تصحُّ من خمسة وعشرين يتفرَّع على غير هذا القول.
والثالث: وهو الأَصَحُّ: أَنها للمرتزقةِ المترصِّدين للجهاد؛ لأَنَّها كانت للنبيَّ -صلى الله عليه وسلم- لحُصُول النُّصْرة به، كان منصوراً بالرُّعْب على مسيرة شهر، وبعده جند الإِسْلاَم، فهم المترصدُون للنّصرة، وإِرعاب الكفار، هذا وجه القول به، لكنه يُشْكِلُ بخمس الخمس.
وقوله في الكتاب "كأربعة أَخماسِ الغَنِيمَةِ" يعني أَنها مصروفةٌ إِلى المقاتِلِينَ، فكذلك أربعةُ أخماسِ الفَيْء، والغرضُ التشبيهُ الجُمَلِيُّ، ثم التفاصيلُ مختلفةٌ، وأَما ظاهر الآيَةِ، فإِذا علم أَن الأخْمَاس الأرَبعةَ كانتِ لِرَسُولِ الله -صلى الله عليه وسلم- فهُوَ مَعْمُول به، ليس فيه إلاَّ أَنَّ الاستحقاق على التفاضلَ، فللنبيِّ -صلى الله عليه وسلم- أحَدٌ وعشرون من خمسة وعشْرين، ولكلِّ واحدٍ من الأصناف سهْمٌ، والإضافة عند التفاضُل، والتساوي شائعةٌ، وإذا فَرَّعنا على القوْلِ الأَوَّل، وهو أنها للمصالِحِ، فيبدأ بالأهمِّ فالأهَمِّ والأهَمُّ تعهُّدُ المرتزقة، فإنَّهم القائمون بحفْظِ بَيْضَة الإِسلامِ، هكذا ذكره الأَصحاب، وكذلك يكون الحُكْمُ في خُمْس الخُمْس، وبهذا يَهُونُ وَقْعُ البَحْث عن الأصَحِّ من القولَيْن المشْهُورين؛ لأَن المَصْرِف المرتزقةُ على القولَيْن، وإنما يختلف التفريعُ فيما يفْضُل عنْهم، ولنتكلَّم الآن في كيفية الصَّرْف إليهم.