للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القَدْرُ الذي يؤدَّى به الدَّيْنُ لا عبرةَ به في مَنْع الاستحقاق؛ كما لا عبرة به في وجُوبِ نفقة القريب، وكذا في زكاة الفِطْرِ على الوَجْهِ الذي مَرَّ في موضعِهِ، وفي "فتاوى" صاحِب "التهذيب": أَنه لا يُعْطَى من سهم الفقراءِ حتَّى يُصْرَفَ ما عنده إلى الدَّيْنِ (١)، قال: "ويجوز أخذ الزكاةِ لِمَنْ مالُهُ عَلَى مسافةِ القَصْر إلَى أنْ يصل إلى ماله، ولو كان له دَيْنٌ مؤجَّلُ عَلَى إنسانٍ، فكذلك يأخُذُ ما يكفيه إلَى حلول الأجلِ، وقد يتردَّد الناظرُ في اشتراطِ كونه عَلَى مسافة القَصْر.

وإنَّما اعتبر العجْز عن الكَسْب؛ لأن القدرة على الكَسْب بالحِرْفَة بمثابة المَالِ في حصول الكِفَايَة، وقد رُوِي: "أَنَّ رَجُلَيْنِ أَتَيَا رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- لِيَسْأَلاَنِهِ الصَّدَقَةَ، فَقَالَ: إنْ شِئْتُمَا أعطيتكما ولاحظ فيها الغنيِّ، ولا لذِي مرَّةٍ سَوِيٍّ"؛ وهي القُوَّة، وُيرْوَى: "ولا لِذِي قُوَّةٍ مكتسب (٢).

وعند أبي حنيفةَ: "لا يُعْتبرُ العجْز عن الكَسْب، ويكفي ألا يملك نِصاباً من النقدين ولا ما قيمته نصابٌ، ثم المعتبر العجز عن كسب ما يقع موقعاً من حاجته، لا عَنْ أصل الكَسْب، كما ذكرنا في المال، والمعتَبَرُ الكَسْب بحرْفَةٍ تليق بحاله، ومروءته، دون ما لا يليقُ بحاله، ولو قَدَر على الكَسْب إلاَّ أنه مشغولٌ بتحصيلِ بَعْضِ العلوم الشَّرْعية، ولو أقبلَ عَلَى الكسْب، ولا نقطع عن التحْصِيل، تَحلُّ له الزكاة؛ لأنَّ تحصيلَهَا من فروض الكفايات، وأَما المُعَطَّل المعتكفُ في المدْرَسَةِ، ومن لاَ يتأتَّى منه التحصيلُ، لا يَحِلُّ لهما الزكاةُ مع القُدْرة على الكَسْب (٣)، ومن أقبل عَلَى نوافِلِ


(١) قال الشيخ جلال الدين البلقيني: إن كان المراد أن القريب لا تجب مع الدين فهذا وهم وإن كان المراد أن نفقة القريب تجب مع الدين فالقياس عليه لا له فهو دائر بين وهم وقياس لا يلائم مدعاه. انتهى ما أردته منه وفيما قاله نظر. (قاله البكري في حاشيته).
(٢) أخرجه الشَّافعي وأحمد وأبو داود والنسائي والدارقطني، من حديث عبد الله بن عدي بن الخيار: أن رجلين أخبراه أنهما أتيا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسألانه الصدقة، فقلب فيهما النظر، فرآهما جلدين، فقال: إن شئتما أعطيتكما، ولا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب، لفظ أحمد، زاد الطحاوي في بيان المشكل: أن رجلين من قومه، قال أحمد بن حنبل: ما أجوده من حديث.
(تنبيه) تبين بهذا أن قوله: ولا لذي مرة سوى، ليس هو في هذا المتن، نعم روي في حديث آخر [رواه أحمد والنسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم، من حديث أبي هريرة بلفظ: لا تحل الصدقة لغني، ولا لذي مرة سوى، وأبو داود والترمذي والحاكم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص بسند حسن، ولفظه: لذي مرة قوي، وفي الباب عن طلحة مثل حديث أبي هريرة ذكره الدارقطني في العلل، ورواه أبو يعلى، وعن ابن عمر في كامل ابن عدي، وعن حبشي بن جنادة في الترمذي، وعن جابر عند الدارقطني ورواه أحمد من طريق أبي زميل عن رجل من بني هلال به، وعن عبد الرحمن بن أبي بكر في الطبراني قاله الحافظ.
(٣) قال النووي: هذا الذي ذكره في المشتغل بالعلم، هو المعروف في كتب أصحابنا وذكر الدرامي =

<<  <  ج: ص:  >  >>