للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"الوسيط"، فقال: "في تحليفه وجهان، وإن حلَّفْنَاهُ، فهل هو واجبٌ، أو مستحب؟ فيه وجهان، وإذا أوجبنا اليمينَ، فنكل، لم يعْطَ، وإن قلنا مستحبة، فيجوز أن يعطى".

القسم الثاني: الجلي، وهو على ضربين: ضرب يتعلَّق بالاستحقاق فيه معنًى في المستقبل، وذلك في المغازي وابن السبيل، فيعطيان بقولهما من غير بينة ولا يمين، ثم إنْ لم يحققا الموعود، ولم يخرجا [في السفر،] يسترد؛ لأن جهة الاستحقاق، لم تَحْصُل، وإلى متَى يحمل تأخير الخروج، أهمل المعظم التعرُّض له، وفي "أمالي أبي الفرج السرخسيِّ": أنه يجوز تأخيرُ الخروج يومين وثلاثة أيام، فإِنِ انقضتِ الثلاثةُ، ولم يخرج حينئذٍ يستردُّ، ويشبه أن يكون هذا على التقريب، وأنْ يعتبر ترصُّده للخروج، وكون التأخير لانتظار الرفقة، إعداد الأهبة وغيرهما والله أعلم.

وضرب يتعلَّق الاستحقاق فيه بمعنى في الحال، وتقع فيه بقية الأصناف في هذا الضرب، فالعامل إذا ادعى أنه عمل، طولب بالبينة، وكذا الغارمُ والمكاتَبُ يطالبان بالبينة؛ لأن الأصل العدمُ، وإقامة البينة هينة عليهم، وإن صدقهما ربُّ الدَّيْن أو السيد، فوجهان: أحدهما: لا يعطَى؛ لاحتمال التواطئ.

وأظهرهما: أنه يعطي؛ لظهور الحق بالإقرار.

وقوله في الكتاب: "مع حضورِ المُسْتَحِقِّ"؛ أراد به الحضورَ مع التصديق، فإن مجرد الحضور لا عبرةَ به، ولو كذبه المقرُّ له، لغا الإقرارُ، والمؤلَّف قلبه، إنْ قال: نِيَّتي في الإِسلام ضعيفةٌ قِبلَ قوله؛ لأن كلامه يشهد لصدقه (١)، وإنْ ادعَى كونه شريفاً مطاعاً في قومه، طولب بالبينة، هكذا فصَّل عامة الأصحاب، ونسب الشيخ أبو الفرج هذا التفصيل إِلى صاحب "التلخيص" وذكر: أنَّ من الأصحاب من أطلق الجواب؛ بأنه يطالب بالبينة، فيمكن أن يُعلَم لهذا قوله في الكتاب: "صدق" بالواو.

وأما قوله: "الاستفاضة كالبينة" فالمراد منه أن اشتهار الحال بين الناس قائمٌ مقام البيِّنة؛ لحصول العلم، أو غلبة الظن، وعلى ذلك حمل قوله -صلى الله عليه وسلم- في حديثِ قَبِيصَةَ بْنِ المُخَارِقِ؛ حتى يشهد أو يتكلَّم ثلاثة من ذوي الحِجَا من قومه؛ وذلك أن قبيصة قال: "تَحَمَّلْتُ حَمَّالَةَ، فَأَتيْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: تُؤَدِّيهَا أو نخرجها عنك عَنْكَ إِذَا قَدَّمْتَ نَعَمَ الصَّدقَةِ يَا قَبيصَةُ، إِنَّ المَسْأَلَةَ حُرِّمَتْ إِلاَّ فِي ثَلاَثٍ: رَجُلٍ تَحَمَّل حَمَّالَةً فَحَلَّتْ لَه المَسْأَلَةُ حَتَّى يُؤَدِّيَهَا أَوْ يُخْرِجَهَا (٢)، ثُمَّ يَمْسِكُ، وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ أَوْ حَاجَةٌ حَتَّى يَشهَدَ أَوْ يَتَكَلَّمَ ثَلاثَةٌ من ذَوِي الحِجَا مِنْ قَوْمِهِ؛ أَنَّ بهِ فَاقَةً أَوْ حَاجَةً، فَحَلَّتْ لَهُ المَسْألَةُ، حَتَّى يُصِيبَ سَدَاداً مِنْ عَيْشٍ أَوْ قَوَاماً مِنْ عَيْشٍ ثُمَّ يُمْسِكُ، أَوْ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ


(١) تقدم.
(٢) سقط في: ز.

<<  <  ج: ص:  >  >>