للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ترى أنّ الكلامَ اليسير يبطل الموالاة في الفاتحة، كالسكوت الطويل (١) واستشهد للوجه الثاني بنصِّ الشَّافِعِيِّ -رحمه الله- في مسألة نذكرها في آخر الباب الأول من كتاب "الْخُلْعِ" إن شاء الله -تعالى- فعلى هذا لا فرق في جريان الوجهين، وكان الفرق في الأظهر منهما، ويتأيد ما ذكرناه بأن مقدار الإقامة مما ليس من مصلحة الطلاق لا يبطل الموالاة بين صلاتي الجمع، فالحكم يدار على كون المتخلل يسيراً، لا على كونه مصلحة الصلاة (٢) واستحب الشَّافِعِيِّ -رضي الله عنه- أن يقول الولي: أنكحتها على ما أَمَرَ اللهُ تَعَالَى من إمساك بِمَعْرُوفٍ، أو تَسْرِيحٍ بإحسان، وهذا إذا ذكراه قبل العقد، فذاك، وإن قيد الولي الإِيجاب به وقبل الزوج مطلقاً أو مكرراً له فوجهان:

أحدهما: أنه يبطل النكاح؛ لأنه نكاح بشرط الطلاق على أحد التقديرين، وهذا ما اختاره الشَّيخُ أبو مُحَمَّدٍ.

وأصحهما: الصحة؛ لأن كُلَّ زوجٍ مأخوذ به بموجب الدّين فليس في ذكره إلاَّ التعرض لمقتضى العقد، وفصّل الإمام فقال: إن أجرياه شرطاً ملزمًا، فالوجه البطلان، وإن قصدا الْوَعْظَ دون الإلْزَامِ لم يضر، وإن أطلقا احتمل واحتمل وَقَرِيْنَةُ الْحَالِ تدل على قصد الْوَعْظِ، وتبركَ الأئمة بخطبة النِّكَاح بما روي عن ابنِ مَسْعُودٍ -رضي الله عنه- موقوفاً ومرفوعاً:

قال: إذا أراد أحدكم أن يخطب لحاجة من النكاح أو غيره فليقل: الحَمْدُ للهِ. نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. ثم قرأ هذه الآيات {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: ١٠٢] {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: ١] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: ٧٠، ٧١].

وعن القَفَّالِ: أنه كان يقول بعد هذه الخُطْبَةِ: أما بعد فإنّ الأمور كلها بيد الله يقضي فيها ما يشاء ويحكم ما يريد لا مُؤَخَّرَ لِمَا قَدَّمَ، وَلاَ مُقَدِّمَ لِمَا أَخَّر، ولا يجتمع اثنان، ولا يفترقان إلاَّ بقضاء الله، وقدره وفي كتاب قد سبق، وإن مما قضي الله وقدر أن خطب فلانٌ بنُ فلانٍ فُلانَةَ بِنْتَ فُلاَنٍ على صداق كذا، وسيزوجها وليها، أو وَكِيْلُ


(١) سقط في ز.
(٢) سقط في ز.

<<  <  ج: ص:  >  >>