للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: العصوبة كما لأخوة والعمومة.

السبب الثاني: عصوبة من على حاشية النَّسَبِ كالأخ والعم وبينهما ولفظ "العصوبة" في الكتاب منزل على هذا، وإلاَّ فالأب والجد لهمَا عصوبة أيضاً، فيدخلان فيه، وهي لا تفيد تزويج الصغيرة بكراً كانت أو ثيباً خلافاً لأبي حَنِيْفَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- حَيْثُ قال: لهم تزويجها إلاَّ على أنه لا يلزم فلها الرَدُّ إذا بلغت بخلاف تزويج الأب والجد.

دليلنا ما روي أنه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "لاَ تَنْكِحُوْا الْيَتَّامَى حَتَّى تَسْتَأْمِرُوهُنَّ" (١) ونحوه من الأخبار.

وأما البالغة فإن كانت ثَيِّباً فلهم تزويجها بإذنها الصريح، ولو زوجت بدون رضاها لم ينعقد. وقال أَبُو حَنِيْفَةَ: ينعقد موقوفاً على إجازتها، وإن كانت بكراً فلهم تزويجها إذا استأذنوها، وهل يشترط صريح نطقها أم يكتفي بسكوتها؟.

فيه وجهان:

أحدهما: أنه لا بُدَّ من النطق كما في الثَّيِّب.

وأصحهما: وبه قال أبو حَنِيْفَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: الاكتفاء بالسُّكُوتِ؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا وَالْبِكْرُ تُسْتَأَمَرُ في نَفْسِهَا، وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا" (٢).

وَحُكِيَ وَجْهُ: أنه لا حَاجَةَ إِلى الاستئذان أيضاً بل إذا جرى التزويج بين يديها، ولم تنكر كان ذلك رضاءً كما إذا جرى فعل بين يدي رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -فلم ينكر عليه- فإذا اكتفينا بالسكوت، فيحصل الْغَرَضُ ضَحَكَتْ أَوْ بَكَتْ إلاَّ إذا بكت مع الصِّيَاحِ وضرب الْخَدِّ فلا يكون ذلك رضىً ولو أراد الأبُ تزويج ابنته البكر من غير


(١) أخرجه الحاكم من حديث نافع عن ابن عمر، وزاد: فإن سكتن فهو إذنهن، وفي الحديث قصة، والدارقطني أتم منه، وبين أن الذي زوجها عمها، ورواه أبو دود [٢١٠٠] والترمذي والنسائي [٦/ ٨٥] وابن حبان والحاكم، من حديث أبي هريرة بلفظ: اليتيمة تستأمر في نفسها، فإن صمتت فهو إذنها، فإن أبت فلا جواز عليها، وفي رواية لأبي داود: فإن بكت أو سكتت فهو رضاها، قال أبو داود: وهم إدريس الأودي في قصة بكت، وليست بمحفوظة، وروى ابن حبان والحاكم من حديث أبي موسى الأشعري بلفظ: تستأمر اليتيمة في نفسها، فإن سكتت فهو رضاها، وإن كرهت فلا كره عليها.
تنبيه: قال الرافعي بعد سياقه الحديث الذي أوردنا لفظه من عند الحاكم: وهذا ونحوه من الأخبار فلهذا حسن إيراد حديثي أبي هريرة وأبي موسى معه لاحتمال أن يكون أشار إليهما، وفي الباب عن عائشة بلفظ: تستأمر النساء في أبضاعهن، الحديث أخرجه مسلم.
(٢) أخرجه مسلم [١٤٢١] رواه الدارقطني [٣/ ٢٤٠] بهذا اللفظ من حديث ابن عباس وقد تقدم، وفي الباب عن أبي هريرة بلفظ: لا تنكح البكر حتى تستأذن، قالوا: يا رسول الله كيف إذنها؟ قال: أن تسكت، متفق عليه؛ وعندهما عن عائشة قلت: يا رسول الله إن البكر تستحي، قال: إذنها صمتها.

<<  <  ج: ص:  >  >>