واستدل المالكية، ومن معهم بالسنّة والأثر. أما السنّة: -فما روي الجماعة إلا البخاري عن أبان بن عثمان قال: سمعت أبي عثمان بن عفان يقول قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "لاَ يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلاَ يُنْكَحُ"، زاد مسلم "وَلاَ يَخْطُبُ"، وزاد ابن حبان في صحيحه "وَلاَ يَخْطَبُ عَلَيْهِ". ووجه الدلالة من الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى المحرم عن أن ينكح، أو ينكح وهذا يشمل الزوج، والزوجة، والولي، والنهي إذا رجع لذات المنهي عنه يقتضي فساده، فيكون النكاح مع إحرام أحد الثلاثة فاسدًا. وأما الأثر: فما روي عن داود بن الحصين أن أبا غطفان المري أخبره أن أباه طريفًا تزوج امرأة، وهو محرم فرد عمر بن الخطاب نكاحه -ووجه الدلالة من هذا الأثر أن عمر بن الخطاب رد نكاح المحرم، وما ذلك إلا لفساده وإلا لما رده عمر وقد نوقشت هذه الأدلة بما يأتي. أما الحديث فقد قيل لهم فيه -أن البخاري وهو معروف بدقته في الحديث ضعفه، فقد قال ابن العربي ضعف البخاري حديث عثمان وصحح حديث ابن عباس، فلو علم البخاري أن رواة حديث عثمان يساوون رواة حديث ابن عباس لصحح كِلاَ الحديثين، وعلى تسليم صحة حديث عثمان، وأن مُسَاوٍ لحديث ابن عباس نقول: إن معنى قوله -صلى الله عليه وسلم- "لاَ يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ" لا يطأ فهو محمول على الوطء، أو النهي لكراهة، لكونه سببًا في الوقوع في الرفث. لأن عقده لنفسه ولغيره ممتنع، ولهذا قرنه بالخطبة، ولا خلاف في جوارها. وإن كانت مكروهة، أو نقول أن النهي هنا ليس لذات المنهي عنه، بل لأمر خارج عنه، وهو الإِحرام، وهذا لا يقتضي فساد المنهي عنه. ويقال لهم في الأثر المروي عن عمر بن الخطاب أنه معارض بما روي عن أنس بن مالك، فقد روي عن عبد الله بن محمد بن أبي بكر قال: سألت أنسًا عن نكاح المحرم قال: وما بأس به هل هو إلا كالبيع، وإسناده صحيح. وأما الحنفية فقد استدلوا على مذهبهم بالسنة والمعقول. أما السنّة: -فما روى الأوزاعي عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- تزوج ميمونة وهو مُحْرِمٌ. ووجه الدلالة من هذا أن ابن عباس أخبر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- تزوج وهو محرم فدل ذلك على صحة نكاح المحرم؛ لأن ما صح له -صلى الله عليه وسلم- يصح لأمته إلا إذا قام دليل على الخصوصية، ولا دليل هنا. وأما المعقول، فقد قالوا: إن النكاح عقد كسائر العقود التي يتلفظ بها من شراء الأمة للتسري وغيره، ولا يفسد شيء من العقود بسبب الإحرام. وقد قيل للحنفية في حديث ابن عباس ما يأتي. أولاً: -أن ميمونة وهي صاحبة القصة ردت أن تزوجها، وهو حلال وهي أعرف بالقضية من ابن عباس لتعلقها بها. وثانياً: -أن المراد بالمحرم أنه في الحرم، فإنه يقال لمن في الحرم محرم، وإن كان حلالاً. قال الشاعر: قتلوا ابن عفان الخليفة محرمًا أي في حرم المدينة. =