للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثَّانِي: أنَّهُ لا يزوج الثيب الصغيرة كَمَا لَوْ كَانَتْ عَاقِلَةٌ، وَالْفَرْقُ عَلَى الْمَذْهَبِ أنَّ لِلْبُلُوغِ غَايَةً ترتقب، فيمكن انتظارها لتأذن، وَالإفَاقَةُ بخِلاَفِهِ، ثمِ لا يشترط في تزويجها ظهورَ الحاجة، بل يكفي ظُهُورِ الْمَصْلحَةِ بخلاَف الْمَجْنُونِ؛ لأَنَّ النَّكَاحَ يفيدها المهر والنفقة، ويغرم المجنون، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ الَّتِي بَلَغَتْ مَجْنُونَةً، وَبَيْنَ الَّتِي بَلَغَتْ عَاقِلَةً، ثم جُنَّت بناءً على أن من بلغ عاقلاً، ثم جُنَّ تكون الولاية في ماله لأبيه، وَهُوَ الأَصَحُّ.

وإن قلنا: إِنَّهَا تكون للسُّلْطَانِ فكذلك أمر التزويج، والخلاف المبني عَلَيْهِ مَذْكورٌ في " [كتاب] (١) الْحِجْرِ".

وَأَمَّا الْمَجْنُونَةُ التِي لاَ أَبَ لَهَا، فَإِنْ كَانَتْ صَغِيْرَةً لم تزوج؛ لأنه لاَ حَاجَةً في الْحَالِ، وغير الأب، والجَدُّ لا يملك الإِجبار، وَإنْ كَانَتْ بَالِغَةً، ففي مَنْ يَلِي تَزْوِيجُهَا وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: القريب من الأخ والعم؛ لأَنَّ النَّسيبَ [أَشْفَقُ] (٢) وَأَوْلَى مِنَ السُّلْطَانِ.

وَأَظْهَرُهُما: وَهُوَ الْمَذْكُورُ في الكِتَاب: السُّلْطَانُ؛ لأنَّهُ ليس في أقاربها من له كمال الشفقة فيفوض الأَمْرُ إِلَى مَنْ لَهُ الْوَلاَيَةُ الْعَامَّةُ. وأيضاً فَإنَّهُ الذِي يَلِي مَالَهَا في هذه الحالة، فكذلك أمر التزويج فإن قلنا بالوجه الأول، فَلاَ ينفرد القريب، ولكنه يحتاج إلى فرَاجَعَةِ السُّلْطَانِ، فيقوم إِذْنُ السُّلْطَانِ مَقَامَ إِذْنِهَا، فإن المتنع القريب زوج السلطان كما في صورة الفضل، وإن قلنا بالْوَجْهِ الثَّانِي، فالسلطان يراجع أقاربها، وَهَذِهِ الْمُرَاجَعَةُ واجبة أو مستحبة؟.

فيه وجهان:

أَحَدُهُمَا: مستحبة وفاءً بتفويض الأمر إلى السُّلْطَان، وإنما يراجعهم تطييباً لقلوبهم.

وهذا كما أنَّ الشَّافِعِيَّ -رِضَي اللهِ عَنْهُ- استحب في صورة غيبة الولي، وسائر صُوَرِ تزويج السُّلْطَانِ أن يشاور ذوي الرأي من أقاربها، فإن لم يكن فيهم وَلِيٌّ شاور خَالَهَا، وأبا أُمِّهَا.

والثاني: أَنَّهَا وَاجِبَةٌ؛ لأنَّ الأقارب أعرف بحالها، وأحرص على طلب الحظ لها، فإن شاورهم فلم يشيروا بشيء استقل السلطان، وهذا الوجه استضعفه الإِمام وذكر في "التَّهْذِيبِ" أنَّهُ الأَصَحُّ، والوجهان في وجوب المشاورة جَارِيانِ في التَّزْويجِ من المجنون، ثم من يَلِي أمْرَ نِكَاحِهَا من السُّلْطَانِ، أو القريب يزوج عند ظهور الْحَاجَةِ،


(١) سقط في ز.
(٢) في ز: أسبق.

<<  <  ج: ص:  >  >>