مَخْتُومٌ بِمَسْألةٍ تَجْرِي في المحارم بالنَّسَبِ والمصاهرة جَرَيَانَهَا في الرَّضَاعِ، وهي أنَّهُ إِذَا اختلَطَ محرمة باجنبيات، هَلْ لَهُ أن يَنْكِحَ واحِدَةً مِنْهُنَّ.
قَالَ الأَصْحَابُ: إن كان الاختلاطُ بعُذْرِ لا ينحصر، كنِسْوَة بَلَدٍ، أو قَرْيَةٍ كَبِيرَةٍ، فله نِكَاحُ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ، وَإلاَّ انحسم عليه بَابُ النِّكَاحِ، فإنه، وإن سَافَرَ إلى بَلْدَةٍ أُخْرَى، لم يؤْمَنْ مسافرتها إلَى تلك الْبَلَدَةِ أيْضاً، وهذا كما إذَا اختلط صَيْدُ مَمْلُوكٍ بِصُيُودٍ مبَاحَةٍ لا تنحصر، لا يَحْرُم الاصْطِيَادِ.
وقال الإِمَامُ: وَهَذَا ظَاهِرٌ، إِنْ عَمَّ الالْتِبَاسُ، فَأَمَّا إِذَا أَمْكَنَهُ نِكَاحُ امْرَأَةٍ لا يتمارَى فيها، فيحتمل أن يُقَالَ: لا ينكح اللواتي يَرْتَابُ فِيهِنَّ، والظَّاهِرُ أنه لا حَجْر؛ ولو كان الاختلاطُ بنسوة معدُوداتٍ، فليجتنبهن؛ لأن بَابَ النِّكَاحِ لا ينحسم هاهنا، وأيضاً، فاحتمالُ أن تكون المحرمة هي التي نَكَحَهَا لا يَبْعُد هنا بعده فيما إذا كنَّ غير محصُوراتٍ، فلو خَالَفَ، ونَكَح إحْدَاهُنَّ.
قال الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ: فيهِ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أنه يَصِحُّ النِّكَاحُ؛ لأن النِّكَاحَ قَدْ وُجِدَ ظَاهِراً، وسَبَبُ الْمَنْعَ في الْمَنْكُوحَةِ مَشْكُوكٌ فِيْهِ.
وَالأَصَحُّ: المنع تَغْلِيباً للتحريم، ولا مدْخلَ للتَّحَرِي في الباب على ما مرَّ في "الطَّهَارَاتِ".
قوله في الْكِتَاب "وإن كُنَّ مَحْصُورَاتِ الْعَدَدِ في العادة" فيه إِشَارَةٌ إلى ما ذكره الإِمَامُ أنَّا نَعْنِي بِعَدَمِ الانْحِصَارِ عُسْرَ عَدِّهِن على آحاد الناس، وإلاَّ، فَلَو أرَادَ وَالي بَلْدَةٍ كَبِيْرَةٍ أن يَعدَّ سُكَّانَهَا، منه وَقَالَ المُصَنِّفُ في "الإِحْيَاءِ": كُلُّ عَدَدٍ لو اجتمعوا منْ بَعِيدٍ وَاحِدٍ، يَعْسُرُ على النَّاظِرِ عدُّهم بمجرَّد النَّظَرِ، كَالألْف وَالألْفَينِ، فهو غَيْرُ مَحْصُورٍ، وإِنْ سَهُلَ؛ كَالْعَشَرَةِ وَالْعِشْرِينَ، فَهُوَ مَحْصُورٌ، وبين الطرفين أَوساطٌ يلحق بأحدهما بالظَّنِّ، ما وقع لك فيه الشكُّ فلتستفْتِ فيه الْقَلْبَ.