للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المسلمة المجنونة، وعن الحليميَّ تخريجٌ على الإِجبار على الغُسْل؛ أن للسيد إجبار أَمَتِهِ المجوسية، والوثنية على الإِسلام؛ لأنَّ حل الاستمتاع يتوقَّف عليه، والمذهَبُ خلافه؛ لأن الرقَّ أفادها الأمانَ من القَتْل، فلا تُجْبَرُ كالمستأمنة، وليس كالاغتسال، فإنه لا يعظم الأمر فيه، ولا يعتبر فيه تبديلُ الدِّين، وأيضاً، فإن غسلها غسلُ تنظيفٍ لا غسلُ عبادة؛ ألا ترى أنَّها، إذا أسْلَمْتْ، لا تصلِّي بذلك الغسل؛ والتنظيفُ حقُّ الزوج، فَجَازَ أن يجبرها عليه، والإِسلامُ ليس حَقّاً له، حَتَّى يجْبُرَها عليه، وفرَّق الشيخ أبو عَاصِمٍ بأن المجوسيَّة دخَلَتْ في ملكه، ولأجْله فاشبه ما لو اشترَى جاريةً قد أحرمت، أو شرَعَتْ في الصوم بأْذَنُ السَّيِّدُ، ليس له تحليلها، وههنا كانت الزوجة الكتابيةُ حلالاً له، ثُمَّ طَرَأَ الحيضُ المُحَرِّم، فأمرت برفع أَثَرِه، لكن هذا يخدشه ما إذا نكحها، وهي حَائِضٌ، واختلف كَلاَمُ الشَّافِعِيَّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- في أنَّه هل يَجْبُر زوجتَهُ الكتابيَّةَ على الغسل من الجنابة، فقال أكثر الأصحاب: هما قولان؛ في قول: يجْبُرها عليه، كما يجبرها على إزالة النجاسات، وفي قَوْلٍ: لا؛ لأنها لا تتعدَّى، ولا يمنع الاستمتاع، ومنْهم من حمل الإِجبار على ما إذا طَالَتِ الْمُدَّةُ، وكانَت النفسُ تعافُهَا، والمنعُ على غير هذه الحالة، وأَما المُسْلِمة فهِيَ مجْبُورةٌ على الغسل من الْجَنَابَةِ، هكذا أطلقه في "التَّهْذِيبِ" (١) وتجبر المسلمة والكتابية على التنظيف بالاستحداد، وقلم الظفر، وإزالة شعر الإِبِطِ والأوْسَاخِ، إذا تفاحش شَيءٌ من ذلك، حَتَّى نفر التواق، وإذا كان بحيث لا يمنع أَصْلَ الاسْتِمْتَاع، ولكن يمنع كمالَهُ، فقولان، كما في غسل الجنابة، ويجرِيَانِ في منْع الكتابيةِ مِنْ أكْلِ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ للاستقذار، وفي كل ما يمنع كَمَالَ الاستمتاع، والأصحُّ أنَّ للزوج المَنْعُ منه، وعلى هذا الخلاف المَنْعُ من أكل كل ما يَتَأَذَّى برائحته، كالثّوم والكرَّات، ومنْهُمْ من قَطَع بجواز المَنْع منه، وله المَنْعُ من شرب ما تَسْكَرُ به؛ لأنها حينئذٍ لا تردُّ يدَ لامِسٍ، وتلتحقُ بالمجنونة، فيختل الاستمتاع، وفي القَدْر الذي لا يُسْكُرِ القولان، ويجريان في منع المسلمة من هذا القَدْر من النبيذ، إذا كانت تعتقد إباحته، ومنْهُمْ مَنْ قَطَعَ بجواز المنع مُطْلَقاً؛ لأنَّ ذلك القَدْرَ لا ينضبط، فإنَّ مِنَ الناس من يتأثر باليسير منه، ومهما تنجس فمها أو عضو آخر، فلا خلاف أنه يجبرها على غسله، ليمكنه [من] الاستمتاع، ويمنعها من لُبْسِ جلد الميتة قبل الدباغ، ولبس مَا لَهُ رَائِحَةٌ كَرِيْهَةٌ كَأَكْلِ مَا لَهُ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ ويمنع الكتابيةُ من البِيعَ والكنائِسِ، كما تُمْنَعُ المسلمةُ من الجماعات


= يجبرها على ذلك لاعتقاد الحل عند الانقطاع لكن قال القاضي أبو الطيب: لا أعرف أحداً من أصحابنا فرق بين الشافعي والحنفي. قال البلقيني: ووجه أن هذا لا يتوقف عليه كمال الاستمتاع.
(١) قال النووي: ليس هو على إطلاقه، بل هو فيما إذا طال بحيث حضر وقت صلاة، فلما إذا لم تحضر صلاة، ففي إجبارها القولان، وهما مشهوران حتى في "التنبيه". والأظهر من القولين الإِجبار.

<<  <  ج: ص:  >  >>