الحَرْب ناقضاً للْعَهْد، فسُبِيَ واسْتُرِقَّ، ونكح تلْكَ المرأة بإذْن مالكه، يَمْلِكُ عليها طلْقةً؛ لأنه بَقِيَ من عدد الزائل شيْءٌ، ولم يبْقَ من العدد الطارئ شيْءٌ، فلم يؤثِّرِ الطارئُ، ولو كانَ قَدْ طلَّقها طلقةً، فإذا نَكَحَهَا، لا يَمْلك عليها إلا طلْقةً؛ لأنه قد بقي من العددِ الزائلِ طلْقَتَانِ، ومن العدَدِ الطارئ طلقةٌ، فكان للثابت حكمُ الطَّارئ، وهو الرِّقُّ هاهنا، وهذه الصورةُ مع صورة حدُوثِ العِتْق بعْد تطليق العَبْد طلقةً أو طلقتيْن مذكورتان في الكتاب في كتاب "الطلاق"، واعْرِفْ بعد هَذَا شيئَيْنِ:
أحدهما: أنَّ القاضِيَ ابْنَ كَجٍّ ذَكَرَ أن أبا الحُسَيْن، حَكَى وَجْهاً؛ أنَّه إذا أسلَمَتْ معه واحدةٌ، ثم عَتَقَ، ثم أسْلَمَتِ الباقياتُ لا يختار إلا اثنتين، كما لو أسلَمَتْ معه اثنتان، وفي شَرْحِ الشَّيْخِ أبي عليٍّ حكايةُ وجهٍ في صُورَةِ ابنِ الْحَدَّادِ؛ أنه إذا طلَّق طلقتين، ثم سبق واسترق لم يكن له أن ينكحها إلاَّ بمحلِّل، وَهُمَا غَرِيبَانِ.
الثَّانِي: قال الإِمام -رَحِمَهُ الله-: المسائلُ المستَشْهَدُ بها قَدْ تنفصل في نظَرِ الفقيه عن هذه الْمَسْألَةِ، وذَلك؛ لأن العبد إذا طلَّق طلقتين، وقع الحكمُ بالتحريم المحْوِج إلى المحُلِّل، فحصولُ العتق بعْده لا يؤثِّر في رفْعِهِ فإذا مضَى قرءان، وقع الحكْمُ ببراءة الأمة، وبحلِّها للأزواج، وكذا في باقي النَّظَائِرِ، وههنا لا يَصِيرُ مستوفياً لحقِّه بإسلام اثنتين معه، وإنَّما يصير مُتَمَكِّناً من الاستيفاء، والتمكن من الشيء، لا يحلُّ محلَّ الشيء لكن المنقولُ ما تقدَّم.
الحالةُ الثَّانيةُ: أن يتمحَّضْنَ إماءً، فإنْ كُنَّ قد عَتَقْنَ عنْد اجتماع الإِسْلامين، اختار مِنْهُنَّ أَرْبَعاً، وإلاَّ، فَلاَ يَخْتَارُ إِلاَّ وَاحِدَةً بِشَرْطِ الإعْسَار وخوْفِ الْعَنَتِ، ولو كان تحْتَه أربعُ إماءٍ، فأسلمَتْ معه اثنتانِ، ثم عَتَق، ثم أسلمتِ المتخلِّفتان، لم يكن له إلاَّ اختيار اثنتين؛ لأنه وجد كمال عدد العَبِيد قَبْل العتق، ويجُوزُ اخْتِيَار الأُوليين؛ لأنَّه كانَ رقيقاً عنْدَ اجتماع إسْلامه وإسْلاَمِهِما، ولا يَجُوزُ اخْتِيَارُ المتخلِّفتَيْن؛ لأنه كان حُرّاً عنْد إسْلاَمِهِما، ولا يجُوز للحُرِّ إمساكُ الأمة، وفي حكْم نكاحِهِ حرَّةٌ، وَهَلْ يختار واحدةً من الأُوَلييْنِ وواحدةً من الأُخريين؟.
حَكَى الْفُورَانِيُّ فِيهِ وَجْهَيْن:
أصحهما: المنع، وعن القاضي حُسَيْن؛ أنَّه يجوز اختيارُ الأخريين أيضاً؛ لأنَّهُما اجتمعتا معَهُ في الإِسْلام قَبْل انقضاءِ العدَّة، فأشبهتِ الأوليين، ولو أن المتخلِّفتين عَتَقَتَا بعْد عتقه، ثم أسْلَمَتا، فله اختيار الأخريين، وله اختيارُ واحدةٍ من الأوليين وواحدةٍ من الأخريين؛ لأنهما، والحالةُ هذه، حرَّتانِ عند اجتماع إسْلامه وإسْلاَمِهِما، فصار كما لو كانَتْ تحته أربعُ حرائر، وأسلمتْ معه اثنتانِ، ثم عَتَق، ثم أسلَمَتِ الأُخريان، يختارُ اثنتَيْنِ، كيف شاء، ولو أسلمتْ معَه واحدةٌ من الإِمَاءِ الأَرْبَعِ، ثم عَتَقَ، ثم أسلَمَتِ