للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الإِصْطَخرِيُّ: لا يقبل أيضًا؛ لأنه وَرَدَ على مَحَلِّ حَقِّهِ.

وقال غيره: يقبل؛ لأن عنده أَنَّ ما جرى ليس بِإِبْرَاءٍ حَقِيقَةً، والخلاف مَأْخُوذٌ من الخلاف فيما إذا باع مَالَ أبيه على ظَنِّ أنه حَيٌّ، فَبَانَ مَيِّتًا.

المسْأَلَةُ الثَّانِيَة: ذكرنا أن المَفْرُوضَ فَرْضًا صَحِيحًا كالمُسَمَّى في العَقْدِ، حتى يَتَشَطَّرَ بالطلاق قبل المَسِيسِ (١)، أما إذا فرض فَرْضًا فاسِدًا بأن ذَكَرَ خَمْرًا، أو خِنْزِيرًا لَغَا ولم يُؤَثِّرْ في تَشْطِيرِ مَهْرِ المِثْلِ إذا طَلَّقَ قبل المَسِيسِ، بخلاف التَّسْمِيَةِ الفاسدة المقرونة بالعَقْدِ، حيث نوجب مَهْرَ المِثْلِ، وتشطره بالطلاق قبل المَسِيسِ، والفرق أن الحَالَ هناك حَالُ ابْتِدَاءِ مِلْكِ البُضْع، وقد ذكرا في مُقَابَلَتِهِ عِوَضًا، فلا يمكن إِخْلاَؤُهُ عن العِوَضِ، وإذا وجب العِوَضْ تشَطَّرَ وهنا الحال حَالُ دَوَام المِلْكِ، وقد خلا ابْتِداؤُهُ عن العِوَضِ، فإن وجِدَ فَرْضٌ صحيح، اعْتُبِرَ، وإلا بَقِيَ الأمْرُ على ما كان عليه، وطُولِبَ بالفرْضِ الصحيح، وأما لَفْظُ الكتاب فقوله: "ومعنى الفْرْض تعيين الصَّدَاقِ، أو تقديره" إلى قوله: "أحدهما لا بعينه" أراد به أن البُضْعَ، وإن أبِيحَ بلا عِوَضٍ لا يُبَاحُ إلا بالعِوَضِ، وذلك العِوَضُ إما ما يتراضى به الزَّوْجَانِ، أو مَهْرُ المِثْلِ الذي هو قِيمَةُ البُضْعِ، فكأن الشَّارعَ على قَوْلِ الوجوب بالعَقْدِ، يقول: إن تَرَاضَيْتُمْ، في ابْتِدَاءِ العَقْدِ، على شيء فذاك، وإلا أوجبت مَهْرَ المِثْلِ، وعلى قول آخر يقول: إن اتّفَقْتُمْ على شَيْءٍ قبل الوطء، فهو الوَاجِبُ، وإلا لم أُخَلِّ الوَطْءَ عن المَهْرِ، وأوجبت مَهْرَ المِثْلِ، فالواجب أحدهما لا بِعَيْنِهِ، ويجوز أن يُعَلَّمَ قوله: أحدهما لا بعينه [بالواو؛ لأن في "الوسيط" وغيره ذِكْرُ تَرَدُّدِ في أن الوَاجِبَ أَحَدُهُمَا لا بِعَيْنِه] (٢) أو الأصل مَهْرُ المثل، والمفروض بَدَلٌ عنه، كالتَّرَدُّدِ في أن مُوجِبَ العَمْدِ القِصَاصُ، أو الدية أو موجبه القصاص والدية بَدَلٌ عنه.

وقوله "تَعْيينُ الصَّدَاقِ أو تقديره" يمكن أن يُرِيدَ به تَعْيينَ القَدْرِ، فيكون في المَعْنَى كالتَّقْدِيرِ، والجمع بينهما إيضاح وتأكيد، ويَجُوزُ أن يُرِيد تعيين الذَّاتِ، وَيحْسُنُ على هذا أن يُحْمَلَ التعيين على ما إذا فَرَضَ عَيْنًا، والتَّقْدِيرُ على ما إذا فَرَضَ دَيْنًا.

وقوله: "على القولين" مُعَلَّمٌ بالواو؛ لما حَكَيْنَا أن منهم من يَقُولُ: ليس لها طَلَبُ الفرض (٣) على قول الوجوب بالعَقْدِ.

وقوله: "لتقرير الشَّطْرِ" أي: على قول الوُجُوبِ بالعَقْدِ، وهذا التعليل مَبْنِيُّ على


(١) سواء أكان الفرض من الزوجين أو من الحاكم لعموم قوله تعالى: {وَقَذ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِضفُ ما فَرَضْتُمْ} [البقرة: ٢٣٧].
(٢) سقط في: أ.
(٣) في ب: العوض.

<<  <  ج: ص:  >  >>