للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أصحهما: أنه يَعُودِ نِصْفُ الصَّدَاقِ إليه (١) بنفس الطَّلاَقِ؛ لقوله تعالى {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: ٢٣٧] أي: فلكم نِصْفُ ما فَرَضْتُمْ، فهو كقوله تعالى {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ} [النساء: ١٢] ولأن ما يؤثِّرُ في كُلَّ الصَّدَاقِ كالرِّدَّةِ والفسخ بالعِتْقِ والعيب يُؤَثِّرُ بنفسه، ولا يَتَعلَّقُ بالاختيار فكذلك ما يُؤَثِّرُ في النصف.

والثاني: وبه قال أبو إِسْحَاقَ وفي بعض الشُّرُوح نسْبَتُهُ إلى ابن سُرَيْجٍ أيضًا: أن الطلاق يُثْبِتُ له خِيَارَ الرجوع في النِّصْفِ، فإن شاء تَمَلَّكَهُ، وإلا تَرَكَهُ، كالشَّفِيع تثبت له حَقّ الشُّفْعَةِ بِالشِّرَاءِ، ولا يُشْتَرَطُ لرجوع النصف قَضَاءُ القاضي بأنه له على ظَاهِرِ المَذْهَبِ.

وفي "المختصر" لفظة مُشْكِلَةٌ تُشعر باشتراطه، وذكر العبادي أن أَبَا الفَضْلِ القَاشَانِيَّ الزَّاهِدَ حكاه قَوْلاً عن القديم، ومنهم من حَكَى الاشْتِراطَ وَجْهاً، وامتنع المُعْظَمُ من إِثْباتِهِ قولاً، أو وجهًا وقَطَعُوا بالأَوَّلِ، وأَوَّلُوا تلك اللَّفْظَةَ، فإذا قلنا: إنه يَثْبُتُ الخِيَارُ، ويحصل المِلْكُ بالاختيار، فلو أنه طَلَّقَها على أن يُسَلِّمَ لها كُلَّ الصَّدَاقِ، فهذا إعراض منه عن المَهْرِ، ورضا بسقوط حَقِّهِ، فيسلم لها جَمِيعَهُ، وعلى الوجه الأصح يَتَشَطَّرُ المَهْرُ وِيلْغُو فيه ما ذَكَرَهُ، كما لو أعْتَقَ، ونَفَى الوَلاَءَ، ولو طَلَّقَ، ثم قال: أسْقَطتُ خِيَاري، تَفْرِيعاً على أن الطَّلاَقَ يُثْبِتُ الخِيَارَ، فقد أشار صاحب الكتاب فيه إلى احْتِمَالَيْنِ:

أحدهما: أنه يسقط، كما أن الخِيارَ في البَيْعِ يسقط بالإِسْقَاطِ.

وأَرجَحُهُمَا: أنه لا يسقط، كما لو أسْقَطَ الوَاهِبُ خِيَارَ الرجوع، لا يسقط، ولم يَجْرِ هذا التَّرَدُّدُ فيما إذا طَلَّقَهَا، على أن يُسَلِّمَ لها كُلَّ الصَّدَاقِ؛ تفريعاً على القول بِثْبُوتِ الخِيَارِ، ويجوز أن يسوى بين الصورتين.

ولو حَدَثَتْ زَيَادَةٌ في الصَّدَاقِ بعد الطَّلاَقِ، فعلى الوجه الأول نصفها للزوج (٢)، وعلى الوجه الآخر إذا حَدَثَتْ قبل اخْتِيَارِ التَّمَلُّك، فالكل للِزَّوْجَةِ، كما لو حَدَثَتْ قبل الطَّلاَقِ، هذا إذا كانت الزِّيَادَةُ مِنْفَصِلَةً، فإن كانت مُتَّصِلَةً، فإن قلنا: يملك النِّصْفَ بنفس الطَّلاَقِ، فالنِّصْفُ مع الزِّيَادَةِ، وإن قلنا: لا يملك إلا بالاخْتِيَارِ فوجهان:


(١) أي إلى الزوج إن دفعه أو وليه من أب أو جد عنه وهو صغير أو مجنون أو سفيه وإلا فيعود إلى المؤدي.
(٢) التعبير بنصف القيمة. قال الإِمام: فيه تساهل وإنما هو قيمة النصف وهي أقل من ذلك، ومال إليه ابن الرفعة والسبكي وغيرهما، ونبه الأذرعي على أن الشَّافعي والجمهور قد عبروا بكل من العبارتين، وهذا فيهم يدل على أن مؤداهما عندهم واحد.

<<  <  ج: ص:  >  >>