للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدِ القَوْلَينِ مَهْمَا طُلِّقَتْ، وَفِي مَعْنَى الطَّلاَقِ كُلُّ فِرَاقِ يُوجِبُ التَّشْطِيرَ فَإِذَا لَمْ يُشَطِّرِ اقْتَضَى المُتْعَةَ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: المُتْعَةُ (١) اسْمٌ للمال الذي يَدْفَعُهُ الرَّجُلُ إلى امْرَأَتِهِ، لِمُفَارَقَتِهِ إياها، والفُرْقَةُ نوعان: فُرْقَةٌ تحصل بالمَوْتِ، فلا توجب مُتْعَةً بالإجْمَاعِ، والمعنى فيه: أن الزَّوْجَ لم يُوحِشْهَا، وإنما اخْتُرِمَ، وسبب وُجُوبِ المتْعَةِ إِيحَاشُهَا وابتدالها.

وفُرقَة تحصل في الحَيَاةِ، كما إذا طَلَّقَهَا، فينظر إن طَلَّقَهَا قبل الدُّخُولِ، وقد وَجَبَ لها مَهْرٌ بتسمية صَحِيحَةٍ، أو فاسدة في العَقْدِ، أو بِفَرْضٍ بعد العقد، إذا كانت مُفَوِّضَةً، فلا مُتْعَةَ؛ لأنه لم يَسْتَوْفِ مَنْفَعَة بُضْعِهَا، وتشطر المهر، كان لما لِحَقَهَا من


(١) المتعة لغة التمتع أو ما يتمتع به كَالْمَتاعِ وهو ما يتمتع به من الحوائج، وشرعاً مال يجب على الزوج دفعه لامرأته لمفارقته إياها بشروط.
المطلقة قبل الدخول إن وجب لها مهر بتسمية صحيحة، أو فاسدة أو فرض صحيح، فلا متعة لها وإن لم يجب بأن كانت مفوضة، فلها المتعة لقوله تعالى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ} ولأن المفوضة لم يحصل لها شيء، فيجب لها متعة للإِيحاش هذا بالإِجماع.
والمطلقة بعده تستحق المتعة بقي المهر أو أسقطت، لقوله تعالى: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} وهذا عام في المطلقة بعد الدخول وقبله، وخصوهن فتعالين أمتعكن، وأسرحكن؛ ولأن المهر في مقابلة منفعة بضعها، وقد استوفاها الزوج، فيجب للإِيحاش متعة، وتجب المتعة بكل فراق يحصل في الحياة من جهته لا بسبب من جهتها كالطلاق.
وكل فراق منها، أو بسببها، فلا متعة لها، وإن لم يجب لها مهر، لأن المهر يسقط بذلك، ووجوبه آكد، وتجب المتعة لسيد الأمة، وفي كسب العبد كالمهر، ومحلرم أن السيد لو زوج عبده أمته، ثم فارقها لا متعة لها، كما لا مهر.
والمستحب في المتعة ثلاثون درهماً، أو ما قيمته ذلك قال البويطي: "وهذا أدنى المستحب، وأعلاه خادم، وأوسطه ثوب، ويسن أن لا تبلغ نصف المهر المثل، فإن بلغته أو جاوزته جاز لإِطلاق الآية".
قال البلقيني: "ولا يزيد وجوباً على مهر المثل، ولم يذكروه" ومحل ذلك لأن فإذا فرضها الحاكم، وله نظائر منها أن لا يبلغ بالتعزير الحد، ثم إن تراضيا على شيء فذاك ظاهر، وإن تنازعا في قدرها قَدَّرَهَا القاضي باجتهاده بحسب ما يليق بالحال معتبراً حالهما من يسار الزوج وإعساره، ونسبها، وصفتها، بقوله تعالى: {وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ} وقيل يعتبر حاله فقط لظاهر الآية كالنفقة، وقيل حالها فقط؛ لأنها كالبدل عن المهر، وهو معتبر وقيل: لا يقدرها بشيء، بل الواجب أقل متمول، كما يجوز جعله صداقاً، وفرق بأن المهر بالتراضي، وعلى تقديره، يجب ما يقدره ما لم يخالف المندوب.
لطيفة: متع الحسن السبط -رضي الله عنه- امْرأة بعشرة آلاف درهم فقالت: "مَتَاعٌ قَلِيلٌ مِنْ حَبِيبٍ مُفَارَقٍ".

<<  <  ج: ص:  >  >>