للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للحاكم أن يبعث الحكمين] (١) ثم المبعوثان وَكِيلاَنِ من جهة الزوجَيْن أم حكمان موليان من جهة الحاكم فيه قَوْلاَنِ:

أصحُّهما: وبه قال أبو حَنِيْفَةَ وأحمد واختاره المُزَنِيُّ أنهما وكيلان؛ لأن البُضْع حق الزوج، والمال حق الزوجة، وهما رشيدان فلا يولي عليها.

والثاني: أنهما موليان من جهة الحَاكِم ويحكى هذا عن نصه في "الإِملاء" وبه قال مالك واختاره ابن المنذر و [الشيخ] أبو إسحاق الشِّيرَازِيُّ؛ لأن الله تعالى سَمَّاهُمَا حكمين والوكيل مأذون ليس بمُحَكَّم، ورُوِيَ عن علي عليه السلام "أنَّه بعث حَكَمَيْنِ، وقال: أتدْرِيَانِ ما عليكما؟ إن رَأَيْتُمَا أن تجمعا فجَمِّعا وَإنْ رأيتما أن تُفَرِّقا فَفَرِّقا فقالَتِ المرأة: رَضِيتُ بِمَا في كتاب الله عَلَى وليِّ، فقال الرجل: أمَّا الفُرْقَة فلا، فقال علي رضي الله عنه وكرّم وجهه: كَذَبْتَ واللهِ حَتَّى تُقِرَّ بِمِثْل ما أَقَرَّتْ بِه" (٢).

واحتج بهذا الأثر للقول الأول بأنه اعتبر رضاهما وإقرارهما.

والقول الثَّاني: أنَّه يجعل الجمع والتفريق إلى الحَكَمَيْن.

وقوله: "حتى تُقِرَّ" أي ليس لك أن تمتنع، بل عليك أن تنقاد بحكم الله تعالى، كما انقادت فعلى القَوْل الأول، يوكل الرجل الحَكَمَ الذي هو من أهْلِهِ بالطَّلاقِ وبقبول العوض في الخُلْع، والمرأة حكمها ببذل العوض وقبول الطلاق عليه، ولا يجوز بعثهما


(١) قال النووي: الأصح أو الصحيح: الوجوب. والله أعلم.
وادعى في "المهمات" أن ما ذكره الشيخ من الوجوب مردود؛ لمخالفته للنص قال في البحر: قال الشَّافعي، المستحب للحاكم أن يبعث حكماً من أهله وحكماً من أهلها فيحتمل أن يرجع الاستحباب لكونهما من أهلهما قال الشيخ البلقيني: نص الشَّافعي في "الأم" أظهر في الوجوب مما قاله البغوي فإنه قال رضي الله عنه فإذا ارتفع الزوجان المخوف شقاقهما إلى الحاكم فحق عليه أن يبعث حكماً من أهله وحكماً من أهلها. وساق الكلام على ذلك.
وقد صرح بالوجوب الماوردي في الحاوي وهو مقتضى قول الشَّافعي رضي الله عنه لما أمر الله تعالى. انتهى.
ووافق الأذرعي على أن ظاهر النص الوجوب، ونقل عن الماوردي ما نقله الشيخ البلقيني، وقال: هو ظاهر كلام الكافي أيضاً.
(٢) ورواه النسائي في الكبرى والدارقطني والبيهقي وإسناده صحيح، وروى عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن عكرمة بن خالد، عن ابن عباس قال: بعثت أنا ومعاوية حكمين، قال معمر: بلغني أن عثمان بعثهما، وقال: إن رأيتما أن تجمعا جمعتما. وإن رأيتما أن تفرقا ففرقا، وعن ابن جريج حدثني ابن أبي مليكة أن عقيل بن أبي طالب تزوج فاطمة بنت عتبة، فذكر قصة فيها: أن عثمان بعث معاوية وابن عباس ليصلحا بينهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>