للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَحْضٌ فَلاَ يَحْتَاجُ إِلَى قَبْولِهَا وَلاَ إِلَى إِعْطَائِهَا فِي المَجْلِسِ وَلاَ لَهُ الرُّجُوعُ قَبْلَ الإِعْطَاءِ، وَلَوْ قَالَ: إِنْ أعْطَيْتِنِي فَهْوَ كَذَلِكَ إِلاَّ أَنَّهُ يَخْتَصُّ بِالإِعْطَاءِ بِالمَجْلِسِ، لأَنَّ قَرينَةَ ذِكْرِ العِوَضِ يَقْتَضِي التَّعْجِيلَ، وَلاَ يَنْدَفِعُ إِلاَّ بِصَرِيحِ قَوْلِهِ مَتَى مَا.

قال الرَّافِعِيُّ: مقصود الفَصْل بيانُ ما ينجذب (١) إليه الخُلْع من الأصول، ويشتمل عليه من الشوائب.

قال علماء الأصحاب: إن جعلنا الخُلْع فسخاً، فهو معاوضةٌ محضةٌ من الجانبَيْن، لا مدخل للتعليق فيه، بل هو كابتداء النِّكَاح والبيع؛ ألا ترى أنَّه لا يشترط وروده على عِوَض النكاح، بل يجوز إيراده على عوض جديد، فلو قال: خَالعْتُكِ على مِائَةٍ فَقَبِلَتْ على خمسين، أو قالت: خَالِعْنِي بمِائة، فخالَعَها بخمسين، أو بخمسين فخالَعَها بمائة، لم يصِحَّ؛ كما لو قال: بعْ عبْدك مني بمائة، فباعه بخمسين، أو بخمسين فباعه بمائة، وإن جعلْنَاه طلاقاً، أو جَرَى لفظ الطلاق صريحاً، فيُنْظَر في كيفية ما جَرَى أبَدَأَ الزوج بالإِيقاع، أم بدأت الزوجة بسؤال الطلاق والتماسه.

القسم الأول: إذا بدأ الزَّوْجُ بالطَّلاق، وذكر العِوَضَ، فهو معاوضة فيها شائبَةُ التعليق، أما جهَةُ المعاوضة، فهي أنَّه يأخذ مالاً في مقابلة ما يخرجه من ملكه، وأما شائبة التعليق، فلأن وقوع الطلاق يترتب على قَبُول المال أو بَدَله، كما يترتب الطلاق المعلَّق بالشروط عليها، ثم تارةً يغْلِبُ معنى المعاوضة، وأخرى معنى التعليق، وأخْرَى يُرَاعَى المعنيان، ويختلف ذلك بالصيغ المأتي بها؛ فإن أتى بصيغة المعاوضَةِ، وصورتها، فقال: خالَعْتُكِ بكذا أو على كذا، أو طَلَّقْتُكِ أو أنت طالقٌ على كذا، فيغلب معنى المعاوضة وثبتت أحكامها، حتى يجُوزَ له الرجوعُ قبل قبولها، ويلغو قبولها بعد رجوعه، ويشترط قبولها باللفظ من غير فصل، كما في البيع وسائر العقود (٢)، فلو تخلَّلَ زمانٌ طويلٌ، أو اشتغلت بكلامٍ آخَرَ، ثمَّ قبِلَتُ لم ينفذ.

ولو اختلف الإِيجابُ والقَبُولُ؛ بأن قال: طلقتك بألف فقبلت بألفين، أو قال: طلقتك بألف فقبلت بخمس مائة [لم] يصح؛ كما في مثله في البيع وغيره، هكذا ذكر صاحب "التهذيب" وغيره -[رحمهم الله]- وفي "الشامل": أنَّه لو قال أنْتِ طالقٌ بألْف


(١) في الروضة: يلحق به.
(٢) قال الأذرعي محل هذا في الناطقة أما الخرساء فإشارتها المفهمة كنطق غيرها وقال أيضاً الأشبه أن مخالفة الناطقة بالمكاتبة صحيحة على المذهب كالبيع والطلاق، ويستثنى ما إذا قال أنتِ طالقٌ آلفي فأعطته آلفي على الفور، فإنه يقع الطلاق كما قاله ابن الصباغ والمتولي والروياني وكلام ابن داود يقتضي أنه منصوص عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>