ونازلاً منزلة قوله:"أنْت طالقٌ طلاقاً لا يَقَعُ عليْك".
قال:"وفيه فصْلان" إلى قوله: "على أصح الوجهين" كما أن إخْرَاج بعْض ما يتناوله الكلام بكلمة "إلا" وما في معناها يُسَمَّى استثناء، فتعليق الطلاق والعتاق وغيرهما بمشيئة الله تعالى يُسمَّى استثناءً، فلما كان الباب مُتَرْجماً بالاستثناء، ووقع اللفظ على النوعَيْن، فيه عقد فصلين:
أحدهما: في الاستثناء بـ"إلا" ونحوها.
والثاني: في التعليق بمشيئة الله تعالى، وأما التعليق بمشيئة النَّاس، فقد أَفْرَد له فصْلاً في قِسْم التعليقات.
قال الإِمام: ولا يبعد عن اللُّغَة تسمية كلِّ تعليق استثناءً لأن قول القائل "أنْتِ طالقٌ" يقتضي وقوع الطلاق من غير تقييد يقصد، فإذا علَّقه بشَرْط، ثناه عن مقتضى إطلاقه، كما أن قوله: أنْتِ طالقٌ ثلاثاً إلا طلقةً يثنى اللفظة عن مقتضاها، إلا أنَّه اشتهر في عُرْف أهل الشريعة تسمية للتعليق بمشيئة الله تعالى خاصَّة، أمَّا الفَصْل الأول فأهمُّ ما يقع فيه بيانُ ما يكون مستغرقاً من الاستثناء، وما لا يكون فلذلك تَرْجَم المستغرق، وإن كان يشْتَمِل على ما لا يتعلق بالاستغراق كالحُكم في قوله: أنتِ طالقٌ ثلاثاً إلا نصفاً، وفيه صور:
إحداها: إذا قال: أنتِ طالقٌ ثلاثاً إلا ثلاثاً، فالاستغراق فيه ظاهر، والاستثناء باطلٌ. ولو عطَفَ بعْض العَدَد على بعض، إما في المستثنى منْه، أو في المستثنى، أو فيهما، فوجهَانِ؛ في أنَّه هل يجْمع بينهما:
أحدهما: يجْمع؛ لأنَّه لو قال: عليَّ درْهَم ودرهم، يلزمه درهمان، كما لو قال: عليَّ درهمان.
وأصحهما: المَنْع، وجْه أجاب ابن الحَدَّاد؛ لأن الجملتين المعطوفتين يفردان الحكم، وإن كان "الواو" للجمع؛ ألا تَرَى أنَّه لو قال لغير المدخول بها: أنتِ طالقٌ وطالقٌ، لا يقع إلا واحدة، ولا ينزل منزلة ما لو قال: أنتِ طالقٌ طلقتين، فإذا عُرِف ذلك، فلو قال: أنتِ طالقٌ ثلاثاً إلا اثنتين وواحدةً أو إلاَّ اثنتين وإلا واحدة، فعلى الوجْه الأوَّل يجمع بينهما فيكون الاستثناء مستغرقاً ويقع الثلاث، وعلى الثاني تخْصيص البُطْلاَن بالواحدة التي بها يقع الاستغراق، فيقع طلقة، ولو قال: ثلاثاً إلا واحدةً، واثنتين فعلى الأول: يقع الثلاث، وعلى الثاني: تخصيص البطلان بالثنتين، ويصحح استثناء الواحدة، فتقع طلقتان.
= بصفة صيغتها التردد إذ المشيئة غيب لا يطلع عليها فلم يكن مبني الكلام التناقض وحكمنا بانتفاء الطلاق لأمر اقتضاه الشرع لا لإِخلال الكلام في نفسه.