للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فُسُوخ وحقوقٌ تثبت عليه قهراً ولا تتعلق بمباشرته واختياره، فلا يصلُحُ تصرُّفُه دافعاً لها ومبطلاً لِحَقِّ الغير، والطلاق يتعلق بمباشرته واختياره، فجاز أن يندفع بالتعليق الَّذي يتعلَّق باختياره، وأيضاً فليس من ضرورة النِّكاح أن ينفُذَ فيه الطلاق، ومن ضرورة أسباب الأحكام المذكورة ثبوت هذه الأحكام، كذلك ذكَر الجَوابَ في هذه الصُّور صاحبُ الكتاب في "غاية الفور" وتابعه غَيْرهُ ومشهُور أنَّه لو قال: إن انفسخ نكاحُكِ، فأنتِ طالقٌ قبله ثلاثاً، ثم ارتد أو اشتراها، ينفسخ النكاح، ولا يقع الطلاق، ولا نقول بامتناع الانفساخ؛ للتعليق الدائر، وإن قلنا بامتناع الطلاق للتعليق الدائر لوجهين:

أحدهما: أن الانفساخ حكم قهريٌّ لا اختيار له فيه، والطلاق (١) يتعلَّق باختياره، والاستحالة جاءت من اليمين الدائرة المتعلقة باختياره، وتسليطُ اختياره علَى دَفْعِ ما ثبت باختياره أهونُ من تسليط اختياره عَلَى دَفْع ما ثبت قهراً بِحُكْمِ الشرع.

والثاني: [أن] (٢) في الانفساخ عند الرِّدَّة والشراء حقُّ الشَّرع كما [أن] (٣) في الانفساخ عند فسخ المرأة: يجب الزَّوْج وسائر عيوبه حقّ المرأة وما يصْدُر منْه لا يصلُح أن ينهض مبطلاً لحق الغير، وإن جاز أن يكون مبطلاً لحقه، ذكر الوجهين هكذا في غاية الغَوْر، وقال: الَّذي نراه: أنَّه إذا قال إن آليتُ عِنكِ، فأنتِ طالقٌ قبله ثلاثاً، ثم آلى، يصح إيلاؤه، وكذا في اللِّعَان، وإن قلنا بأن التعليق الدائر يَمْنَع وقوع الطلاق وصحة الظهار، والفَرْق أن الإيلاء: يمين على الامتناع من الوطء، وذلك ينعقد في حقّ الأجنبية، واللعانُ يمين على نفْي النسب، وقد يُؤْتَى به في الموطوءة بالشبهة، وبعد الطلقات الثلاث لنفي النسب، فهما مستقلان منعقدان، وإن لم يكُنْ نكاح، لكن إذا صادف الإِيلاء النِّكَاح [أثبت المطالبة بالغي أو الطلاق، وإذا صادف اللعان النكاح وجب التفرقة بينهما كالشراء المستقل بالانعقاد، وإن لم يكن نكاح فكما إذا اشترى زوْجَتَه تحكم بصحته وإفادته المِلْكَ، ولا نحكم بوقوع الطلاق، كذلك الإِيلاء واللعان ينبغي أن ينعقد إنعقادَهُما في حق الأجنبية، ثم إذا تعرَّض لوجوب الكفارة لوَ وطئها، سلَّطَها ذلك على المطالبة، بالفيئة أو الطلاق، كما تسلطها عنته عَلى الفَسْخ، وإذا انعقد اللعان، ترتبت الفرقة عليه ترتبها على الشراء، ويجوز أن يُعْلَم لهذا قوله في الكتاب "إن آليْتُ" بالواو؛ لأنه أراد بقوله: "ومِنَ الدَّوْرِ أن يقول إن آلَيْت" إلى آخر أن نفوذ هذه التصرفات على الخلاف في نفوذ الطَّلاق، وعلى ما اختاره ينفُذ الإِيلاء بلا خلاف، كما ينفذ الانفساخ، وفسخها بعنته.


(١) في أ: كالطلاق.
(٢) سقط في ز.
(٣) سقط في ز.

<<  <  ج: ص:  >  >>