للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللعان، لمجرد نفي النسب، وإن لم ينقطع به النكاح؛ بأن كان قد أبانها أو لم ينهض (١) دافعًا للعقوبة؛ بأن كانت قد عَفَتْ، أو أقام البينة على زناها.

وأما دفع القذْف، فيجوز اللعان لمجرَّد دَفْع الحد، وإن لم يتعلَّق به قطْع النكاح، ولم يكن هناك وَلَدٌ، وإن كان الواجِبُ التقرير، فالتعزير المشروع عند القَذْف على نوعين: تعزير تكذيب، وهو الذي يُشْرَع في حق الرَّامِي الكاذب ظاهرًا، فإنه (٢) يكذب بما يَجْري عليه، وذلك إذا قَذَف زوجته الذمية [أو الرقيقة] (٣) أو الصغيرة التي يُوطَأ مثلها.

وتعزير تأديب؛ وهو أن يكون كذبه معلومًا أو صدْقُه ظاهرًا، فيُعزَّر لا تكذيبًا له ولكن تأديبًا؛ لئلا يعود إلى السّبِّ والإيذاء؛ وذلك كقذف الصغيرة التي لا يوطأ مثلها، وكما إذا قذفها بزنًا ثبت بالبينة أو اعترفت به، فإنه لا يُحَدُّ؛ لسقوط حصانتها ويُعزَّر؛ للإيذاء بتجديد ذكْر الفاحشة.

فأما النَّوع الأول من التعزير، فإنه يُسْتَوْفَى بطلبها، وله دفْعُه عن نفسه باللعان، وفيه وجهٌ ضعيفٌ، نقله الإِمام وغيره -رحمهم الله-.

وأما النوع الثاني، فلا يلاعن؛ لدفع التعزير فيما إذا قذفَ صغيرةً لا يوطأ مثلُها، وإن كَبِرَتْ، وطَلَبت؛ لأن التعزير هناك ليس من جِهَةِ أنه قَذْفٌ، فإنه أتى بالمحال، لا يُلْحِق بها عارًا، وإنما يعزَّر؛ منْعًا له من الإيذاء والسب، وزجرًا عن الخوض في الباطل، وفيه وجه ضعيفٌ، وفيما إذا قَذَفها، وقد ثبت زناها بالبينة أو الاعتراف، قال الشَّافعي -رضي الله عنه- في رواية المزنيَّ -رحمه الله-: عُزِّر إن طلبت ذلك يعزر ولم يلتعن، وظاهره الحكم، بأنه لا لعان، وقال في رواية الربيع -رحمه الله-: إن طلبت ذلك إن لم يلتعن فجعل عدم الإلتعان شرط. وذلك يُشْعِرُ بأنَّ له أن يلاعن، وفيها طرق للأصحاب: أشهرها، وبه قال ابن سلمة والداركي وابن القَطَّان: أن المسألة على قولَيْن:

أحدهما: له أن يلاعن دَفْعًا للعقوبة، كما في تعزير التكذيب، وأيضًا، فلقطع النِّكَاح ودفعًا للعار.

وأصحهما: المنع؛ لأن اللعان؛ لإظهار الصدق وإثبات الزِّنا، والصدق ظاهر، والزنا ثابتٌ، فلا معنى للِّعَان، وأيضًا فإن التعزير هاهنا للسَّبِّ والإيذاء، فأشْبه قَذْف الصغيرة الَّتي لا يُوطَأُ مثْلُها.

وأظهرهما، وبه قال أبو إسحاق والقاضي أبو حامد: القطع بالقَوْل الثَّاني، وجعل


(١) في أ: ينتهض.
(٢) في ز: كأنه.
(٣) سقط في ز.

<<  <  ج: ص:  >  >>