قَالَ الرَّافِعِيُّ: ذَكَرْنا منْ قبْل أن حدَّ القذف يسْتَوْفى بطَلَب المقذوف، وذِكْرُنا الآن حَالَ التعزير في اعتبار الطَّلَب، وما يستوفى بطلب الشَّخْص من الحد والتعزير، فإنه يسقط بعفْوه وإسقاطه إذا كان من أهْل العَفْو، إذا عُرِفَ ذلك، فلو قَذَف زوجته [فعفت عن الحد]، ولا وَلَد هُنَاك، فهل له اللَّعان أم لا؟ فيه وجهان:
أحدهما: نَعَمْ؛ لغرض قطع النكاح والفرقة المؤبدة، ولدفع عار الكَذِبِ والانتقام منْها؛ بإيجاب حد الزنا عليها وإلْصَاق العار بها.
وأصحُّهما: لا؛ لأن اللعان حجَّة ضرورية إنما يستعمل لغرض مُهِّم، وهو قطع النسب ودرء الحد، وهذه الأغراض ضعيفة، وقطع النكاح وغَسْل العار عن نَفْسه مُتَيَسِّر بالطلاق، ويجْري الخلاف فيما إذا أَقَام بيِّنة على زنَاها أو صدقه، فاندفع الحدُّ ولا ولَدَ، فلو سَكَتَت، ولم تَطْلُبِ الحد، ولا عفت عنه، ففي جواز اللِّعان وجْهان مرتَّبان، وأوْلَى بالجواز؛ لأن الطلب متوقَّع؛ فيحتاج إلى دفعه.
ووجه المنْع؛ أنه لا نَسَب، والحد غير مطلوب، وإنما يُصَار إلى اللِّعان إذا أرهقته الضرورة إلَيْه، وذكر الإِمام -رحمه الله- أن وجْه الجواز أصحُّ في هذه الصورة، والجمهور على ترجيح المَنْع ويتولد من الخلاف المذْكُور خلافٌ في أن طَلَبَ المرأة للعُقُوبة، هل هو شرطٌ لجواز اللعان؟ ويجري الوجهان فيما إذا قَذَف زوجته الصغيرة أو المجنونة، فعلى وجْه؛ له اللعانُ؛ ليُسْقِط التعزير عن نفسه، ويقطع النكاح، وعلى الأظهر ينتظر بلوغ الصبية، وإضافة المجنونة وطلبهما التعزير، والوجهان في هذه الصورة إن رُتِّبَا على الوجهين في صورة السكوت كانَتْ هذه أَوْلَى بالمنع؛ لأنه لا يتوقَّع الطلب إلا بَعْد زوال المانع، وهناك يتوقَّع لحظة فلحظة، وإن رُتِّبَا عَلَى الوجهين في صورة العَفْو، كانَتْ هذه أوْلىَ بالجواز؛ الطَّلَب متوقَّع في الجُمْلَة، ولو قذف زوجته، ثم جُنَّتْ أو قَذَفها في جنونها بزنا إضافة إلى حال الإفاقة، فعَلَيه الحد، وهل يُلاَعِنُ إذا لم يَكُن ولدٌ، أو ينتظر إفاقتها وطلَبَها؟ فيه الوجهان، وإذا كان هناك ولدٌ، وأراد نَفْيَه باللعان، فله ذلك (١)، ولا يُشْتَرط طَلَب العقوبة في شَيْء مِنَ الصور المذكورة.
وإذا قال: زَنَى بِكِ ممْسُوحٌ أو صبِيٌّ ابْنُ شَهْر أو قال للرَّتْقَاء، أو القَرْنَاء: زَنَيْتِ، فلا حد، ويُعزَّر للأذى، وكذا لو قال لممسوح: زنَيْتَ أو لبالغ زنيت، وأنْتَ في المهد،
(١) قال النووي: وكل موضع لاعن لنفي النسب أو غيره وهي مجنونة، فقد حقق زناها ولزمها الحد، لكن لا تحد في جنونها، فهذا أفاقت حدت إن لم تلاعن، ذكره المحاملي في "المجموع".