للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الشَّافعي -رضي الله عنه- في كتاب "الرسالة": المُعْتَبَر فيه الانتقال إلى الحَيْض، وهو الذي يُسمَّى قرءاً؛ أخذاً من قولهم "قَرَأَ النَّجْمُ" إذا طلع، "وقرأ" إذا غاب، وقد يقال قرأ أي انتقل من برج إلى برج، وقد يقتضي الاشتقاق وقوع الاسم على الانتقال من الحيض (١) إلى الطُّهْر؛ لوقوعه على الانتقال [من الطهر إلى الحيض،] وذكَرْنا شيئاً من التفريع عليه في أوَّل الطلاق. وقال أبو سعد المتولِّي: الانتقال من الحَيْض إلى الظهر لا يَدُلُّ على براءة الرَّحِم؛ فإنَّها قد تحبل من الوطء في زمان الحيض، ثم ينقطع فيها، والانتقالُ من الطهر إلى الحيض يدل على البراءة؛ لأن الغالب أن الحَامِل لا ترى الدَّم، فاعتبر الشرع هذا الانتقال، ولم يعتبر ذلك الانتقال.

وقال -رضي الله عنه- في "الأم": المعتبر طهر مُحْتَوَشٌ بدمين لا مجرَّد الانتقال من الطهر إلى الحيض؛ وفي هذه المدة يحْصُل معنى الجمع والضم، وقد ذكر صاحب "التهذيب" والقاضي الرُّويانيُّ وغيرهما أن هذا الثاني أصحُّ، لكنه يخالف ما حكينا في الطلاق؛ أن أكثرهم حكموا بوقوع الطلاق في الحَال، إذا قال للتي لم تحفل: أنتِ طالق في كل قرْءٍ طلقةً مع تعلُّق الصور بهذا الأصل، ويجوز أن يجعل ترجيحه، لوقوع الطلاق لمعنًى يختص بتلك الصورة، لا لرجحان القول بأن القُرْء هو الانتقال من الطهر إلى الحيض، وإذا طلَّقها، وقد بقيت من الطهر بقية، فتحسب تلك القية قرءاً، ويجوز أن يسمى بعْض القرء مع قرءين تامين ثلاثةَ أقراء، كما يقول القائل: خرجَت من البلد لثلاثٍ مضين مع وقوع خروجه في الثالثة، وقال تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} والمراد شوال، وذو القَعْدة، وبَعْضُ ذي الحجَّة، ولا فرق في الاعتداد بالبقية بين أن يكون قد جامَعَها فيه، أو لم يجامعْها، ويترتب على الخلاف في أن القرء الحيض أو الطُّهْر، قِصَرُ المدَّة وطُولُها، فمن قال: إنه الطهر، قال: إذا طلَّقها، وهي طاهر، فحاضت، ثم طَهُرت، ثم حاضت، ثم طَهُرت، ثم حاضت، فقد انقضت العدة، وإن طلقها في الحيض، فهذا شرعت في الحيْضة الرابعة، انقضت العدة [و] عنْد أبي حنيفة ومَنْ قال: إن القرء الحيض، إذا طُلِّقَت في الطهر، فلا تنقضي العدة ما لم تَطْهُر من الحيضة الثالثة وَلاَ تُحْتَسَب بقية الطُّهْر قرءاً، وإذا طُلِّقت في الحيض، لم تنقض العدة ما لم تطهر من الحيضة الرابعة.

واشترط أبو حنيفة مع الطهارة من الحيض أن تغتسل أو تتيمَّم عند العجز عن الماء أو يمضي عليها وقْت صلاة، إن انقطع دمها لما دون أكثر الحيض، وإن انقطع لأكثر، سَلَّم أنه لا يشترط شيْء من ذلك.


(١) سقط في ز.

<<  <  ج: ص:  >  >>