للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للوجه الثاني كعود الطهارة والطَّهُورِيْةَ. وقوله: "فإذا استوى عليه الماء" أيضاً إشارة إلى الوجه الصائر إلى اشتراط المُكثِ، ثم تنبه لأمور:

أحدهما: قوله: "غير متغير" ليس مذكوراً لِلتَّقْيِيدِ، فإنه لو كان متغيراً فزال التغير بِالاتِّصَالِ، عادت الطهورية أيضاً، وكأنه تعرض لهذا الوصف؛ لأنه حُكِمَ بَعَوْدِ الطُّهُورِيَّةِ بمجرد استواء الماء عليه، وبتقدير التغير لا تعود الطهورية بمجرد استواء الماء؛ بل لا بد من زوال التغير.

الثاني: قوله: "فإذا استوى عليه الماء" ينبه على أنه لو لم يَكُنِ الكُوزُ مَلْآنَ وغمسه فيه فما دام يدخل فيه فلا اتصال، وهو على نجاسته.

الثالث: حكم بالطهورية من غير التعرض للخلاف، فإن كان يختار ذلك سواء ضاق رَأسُ الكُوزِ، أم اتسع فهو معمول بظاهره، وان قال بالمنع عند ضيق الرأس كما حكينا أنه ظاهر المذهب، فَفِي الكَلاَمِ إضمَارٌ تقديره كُوزٌ وَاسِعُ الرَّأسِ فِيهِ مَاءً نَجِسٌ والاحتمال الثاني، هو قضية كلامه في سائر كتبه.

قال الغزالي: الخَامِسُ- فَأرَةٌ وَقَعَتْ فِي بِئْرِ فَتَمَعَّطَ شَعْرُهَا فَالطَّرِيقُ أَنْ يُسْتَقَى المَاءُ المَوْجُودُ فِي البِئْرِ فَمَا يَحْصُلُ بَعْدَ ذَلِكَ إِن رُئِيَ فِيه شَعْرٌ فَنَجِسٌ وَإِلاَّ فَطَهُورٌ إِذَا الاَّصْلُ طَهَارَتُهُ وَوُقُوعُ الشَّعْرِ فِيهِ مَشكُوكٌ فِيهِ وَإِخرَاجُ جَمِيعِهِ هُوَ الغَالِبُ بِاسْتِقَاءِ المَاءِ.

قال الرافعي: مَاءُ البِئْرِ في البئر كغيره في قبول النجاسة وزوالها، لكن ضرورة النزح للاستقاءِ منها قد يخصه لضرب من العسر، فإن كان قليلاً وقد تنجس بوقوع نَجَاسَةٍ فيه فليس من الرأي أن ينزح لينبع بعده الماء الطهور، لأنه وإن نزح فقعر البئر يبقى نجسًا، وقد يُفْضِي النَّزْحُ إلَى تَنْجِيسِ جُدْرَانِ البئر أيضاً؛ بل ينبغي أن يترك ليزداد فيبلغ حَدَّ الكثرةِ، فإن كانت قليلة الماء لايتوقع كثرته، صُبَّ فيها ماء من خارج حتى يكثر ويزول التغير أيضاً لو كان متغيراً، فإن كان ماؤها كثيراً وقد تنجس بالتغير فتكاثر إلى زوال التغير، أو يترك بحاله حتى يزول التغير بِطُولِ المُكْثِ، أو بازدياد الماء فلو تفتت الشيء النجس فيه كَالفَأرَةِ تمعط شعرها، فقد يبقى على طهوريته لكثرته وعدم التغير، لكن يتعذر استعماله بسبب أنه لا ينزح منه دلو إلا وفيه شيء من أجزاء النجاسة، فينبغي أن يستقى الماء كله لتخرج الشعور في صحبته، فإن [كانت] (١) العَيْنُ فوّارة وتعذر اسْتِقَاءُ الكُلِّ، فينزح بقدر ما يغلب على الظن، إن الشعر قد خرج معه كله، فما يبقى بعد ذلك في البئر وما يحدث فيه فهو طهور، لأنه ماء غير مستيقن النجاسة، ولا مظنون


(١) في ط (كان).

<<  <  ج: ص:  >  >>