للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِقُرْءٍ وَاحدٍ" وبه قال مالك. وقال أبو حنيفة: بثلاثة أقراء؛ لأنَّها حُرَّة، وعن أحمد روايتان: أظهرهما مساعدتنا والثانية: أن عليها، إذا مات السيِّد، عِدَّةَ الوفاة، واحتَجَّ الأصحاب -رحمهم الله- بأنه استبراءٌ وجب؛ لزوال مِلْك اليمين، فكان بقُرِءٍ واحدٍ، كاستبراء الأمة المتملكة، ولو مضتْ مدة الاستبراء على أم الولد، ثم أعتقها سيَّدُها أو مات عنْها، فهل تَعتدُّ بما مضَى أم يلزمها الاستبراء بعْد العتق؟ قال المتولي: فيه وجهان، وكذلك حكاه الرُّويانيُّ عن القَفَّال، وقال في "التهذيب": فيه قولان:

أصحُّهما: أن عليها الاستبْرَاءَ، ولا تَعتدُّ بما مضى كما لا تعتد [المنكوحة] بما تَقدَّم من الأقراء على ارتفاع النكاح، والخلاف مبنيٌّ عَلَى أنَّ أم الولد، هل تَخْرُح عن كونها فراشاً بالاستبراء أو الولادة؟ وهل تعود فراشاً للسيِّد، إذا مات زوجُها أو طلَّقها، وانقضت عدَّته أو لا تعود، ولا تحِلُّ له إلا بعْد الاستبراء؟ ولو استبرأ الأمة الموطوءة ثم أعتقها؟ قال الأئمة: لا استبراء علَيْها، ولها أن تَتزوَّج (١) في الحال، ولم يطرد فيها الخلاف المذكور في المستولدة؛ لأن المستولَدَة ثبت لها حقُّ الحرية، وفراشها يُشَبَّه بفراش النكاح، ولو لم تَكُن الأمة موطوءةً، لم تكن فراشاً، ولم يوجب إعتاقُها استبراءً، ثم في الفصْل مسائل:

إحداها: لا يجوز تزويج الجارية الموطوءة قَبْل الاستبراء بخلاف بيعها، والفرق أن المقصود من النكاح الوطء؛ فينبغي أن يَسْتَعْقَبَ الحِلِّ، وأن يتقدَّم عليه ما يُطلَب في معرفة فراغ الرحم، والشَّرْفُ قد يُقْصد للوطء، وقد يُقْصَد لغيره، فلا معنى لمنع البائع من البيع، وعلى المشتري أن يَحْتاط إن قصد الوطء، وجَوَّز أبو حنيفة تزويجَها قَبْل الاستبراء، وللزوج الوطء في الحال، ولا يخفى ما فيه من اختلاف الماءين، واحتَجَّ الأصحاب بأنَّه وطء، لو أتتْ منْه بولد، وأقر به ثَبَت نَسَبُه، فيوجب التربُّص كوطء الشبهة، وما رُوِيَ أنه -صلى الله عليه وسلم- (٢) - قال: "لا تَسْقِ مَائكِ زَرْعَ غَيرِكِ" وأما أمُّ الولد، ففِي جواز تزويجِها خلافٌ مذكورٌ في الكتاب في أمهات الأولاد، وإذا جوَّزناه، وهو الأصح، فَلاَ تُزوَّج قبل الاستبراء أيضاً، ولو استبرأها، ثم أعتقها، فهل يَجُوز تزويجُها في الحال أم تحتاج إلى استبراءٍ جديدٍ؟ فيه وجهان:

وجه الأول: بأنه جاز التزويج بالاستبراء قَبْل الاعتاق، فكذلك ما بَعْده.

والثاني: بأنَّها كالمالكة لنَفْسها بالعتق، فتَبدُّلُ المِلْكِ يقْتضي الاستبراء تعبُّداً قال في "البسيط": كان الخلاف راجعٌ إلى أن يُقَال: المِلْك يستقل بإيجاب الاستبراء، وإنما يجب الاستبراء عنْد توهُّم الشغل؛ لتحل للأزواج ويشبه أن يبنى الخلاف على أن فِرَاش


(١) في ز: تزوج.
(٢) تقدم.

<<  <  ج: ص:  >  >>