للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ] (١) مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ". وقد يقال: المراد من قولنا "مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ" والحرمة في تلْك الصُّور ليست من جهة النَّسَب، وإنما هي من جهة المُصَاهرة على مَا تبين هناك. ويمكن أن يُعْلَم قوله في الكتابِ "والفحل".

وكذلك قوله: "وكذلك زَوْجُ المرضِعَة أَبُو المرتضع" بالواو؛ لِمَا قدَّمنا في السابق من اختيار ابن بنت الشَّافعي -رضي الله عنه-.

قَالَ الغَزَالِيُّ: لَكِنْ يُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ اللَّبَنُ مِنْ وَلَدِ الفَحْلِ، فَإِنْ كَانَ الوَلَدُ مِنَ الزِّنَا أَوْ مَنْفِيّاً بِاللِّعَانِ فَلاَ نِسْبَةَ لِلَّبَنِ إِلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ الوَلَدُ مِنْ وَطْءِ الشُّبْهَةِ انْتَسَبَ الوَلَدُ عَلَى الأَصَحِّ أَيْضاً.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: إنَّما تَثْبُت الحُرْمة بين الرضيع وبين الفَحْل، إذا كان منتسباً إِلى الفَحْل؛ بأنْ ينتسب إليه الولد الذي نَزَلَ اللَّبَنُ عليه.

أمَّا اللَّبَن النَّازِل عَلَى وَلَدِ الزنا، فلا حُرْمة له حتَّى لا يحْرُم على الزَّانِي أَن ينكح الصَّغِيرة التي ارتضَعَت من ذلك اللَّبَن، لكنه يكره وقد حكَيْنا في النكاح وجهاً أَن الزَّانِيَ لا يجُوز له أن يَنْكِح بنْتَ الزنا التي يعلم أنها من مائة (٢) فيشبه أَن يجيْء ذلِكَ الوَجْه ها هنا أيضاً، ولو نفَى الزوْج ولَدَه باللعان، وأرْضَعَتَ المرأة باللبن النازل علَيْه صغيرة، لم تثْبُت الحُرْمة، ولم يُنسبِ اللبن إليه، كما لا ينسب الوَلَد ولو أَرْضَعَتْ به، ثم لاَعَن الزوْجُ انتفى الرضيع عنه، كما انتفى الوَلَد، فلو استلْحق الولد بعْد ذَلِك، لحق الرضيع أَيضاً، ولم يَذْكُروا هاهنا الوجهَيْن المذكورَيْن في نكاح المتغيبة باللعان ولا يَبْعُدُ أن يُسوَّى (٣) بينهما، وإِذا كان الوَلَد من وطء شبهة، فاللَّبَن النازِل إِلَيْه يُنْسَب إِلى الواطئ،


(١) سقط من: أ.
(٢) قال ابن الرفعة: وقد صرح بطرده هنا الإِمام والغزالي في البسيط، وليس كما قال وإنما حكى الإِمام الخلاف عند تحقق أنه منه بالنسبة إلى حرمة المخلوقة من زناه عليه، ولم يحك وجهاً في أن التي ارتضعت من اللبن النازل على ولد الزنا يحرم على الزاني.
(٣) وهذا الذي حاوله من ذكر الوجهين فيها من المنفية في النسب لا يصح؛ لأن الوجهين هناك فيمن لم يدخل بأمها والدخول هنا بل الحبل شرط لنسبة الابن للفحل فافترق البابان. وقال ابن الرفعة: كلام الإمام مصرح لإجراء الخلاف في المرتضع من ولد الزنا وهو يطرق المرتضعة من ولد المنفي باللعان من طريق أولى على أنه قد يقال إنَّه لا يأتي هنا في الصورتين وإن حرمناها لأجل مفهوم وهو قوله -صلى الله عليه وسلم-: يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب. انتهى.
قال بعضهم: وأيضاً فلأن ولد النسب أقوى حكماً من ولد الرضاع، ولذلك استدل صاحب الحاوي والبحر على أن المرتضع بلبن الزنا لا يحرم بأن ولد النسب أقوى حكماً من ولد الرضاع، وقد انتفى عن الزاني فكان أولى أن ينتفي عنه في ولد الرضاع وأيضاً فلأن لنا قولاً إن اللبن النازل بوطء الشبهة لا يحرم المرتضع على الواطئ ولا خلاف في تحريم الولد عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>