للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَيَتَشَعَّبُ مِنْ هَذَيْنِ الأَصْلَيْنِ فُرُوعٌ الأَوَّلُ إِذَا كَانَ تَحْتَهُ كَبِيرَةٌ وَصَغِيرَةٌ فَأَرْضَعَتْهَا الكَبِيرَة بِلِبَانِهِ حُرِّمَتَا أَبَداً لأَنَّ الكَبِيرَةَ أُمُّ زَوْجَتَهُ وَالصَّغِيرَةَ بنْتُهُ، وإنْ كَانَ بِلِبَانِ غَيْرِهِ لَمْ تَصِر الصَّغِيرَةُ بِنْتَاً بَلْ رَبِيبَةً مُحَرَّمَةً إنْ كَانَتِ الكَبِيرَةُ مَدْخُولاً بِهَا، وَإِنَّمَا يَنْفَسِخُ نِكَاحُهَا لأَنَّهَا اجْتَمَعَتْ مَعَ الأُمِّ فِي النِّكَاحِ فَيَنْدَفِعَانِ وَلَهُ تَجْدِيدُ نِكَاحِ الصَّغِيرَةِ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: وتَحْته زوجَتَانِ صغيرةٌ وكبيرةٌ، فأرضعَتِ الكبيرةُ الصغيرةَ خَمْسَ رضَعَاتٍ، انفسخ نكاحهما؛ لأنَّ الجَمْع بيْن الأمِّ والبنْتِ في النكاح ممتنع، وقد صارَتِ الصغيرةُ بِنْتاً، والكبيرة أُمَّاً دفعةً واحدةً، واندفعتا، ثم إنْ كانَ الإرْضَاع بلَبَنِهِ، حُرِّمَتا عليه على التأبِيد؛ لأن الكبيرة أُمُّ زوجته، والصغيرة بِنْته، وإنْ الإرضاع بلَبَنِ غيره، فالكبيرة كذلك، والصَّغيرة ربيبة، فإن كانت الكبيرةُ مدخولاً بها، فهي محرمةٌ أيْضاً، وإلا، لم تكن الصغيرةُ محرَّمةٌ على التأبيد، ويجب على الزَّوْج للصغيرة نصفُ المسمَّى، وفيما يرجع به على الكبيرة الأقوال التي سبَقَت، ولا مَهْر للكبيرة، إن لم تكن الكبيرة مدخولاً بها؛ لأن الانفساخ حصل بصنعها، وإن كانتْ مدخولاً بها، استحقت المَهْر، قال الأئمة -رحمهم الله- ولا نقول: يرجع عليها بمَهْرِها؛ لأنَّها أتلفت عليه بُضْعَها؛ لأن تغريمها وتمكينه من الرجوع إسقاطٌ للمَهْر فيصير كالموهوبة، وذلك من خصائصِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- ولَيْس كما لو وقَعَت الرجعة قبل انقضاء العِدَّة، وأنكرت، وصدَّقناها باليمين، فنَكَحَت زوجاً آخر، ثم صدِّقت الأول في الرجعة، حيث نغرمها للأوَّلِ مهْر المِثْل؛ لأن هناك؛ النكاحُ الأولُ باقٍ بزعمه وزعمها، إلا أنها حالَتْ بينها وبينه باليمين، وكذلك لو طَلَّقها الثاني، عادت إلى الأوَّل من غير تجديد عَقْدٍ، فألزمناها ضمانَ الحَيْلُولة، إلا أنَّها تَرُدُّ المهر عليه، حتى لو طَلَّقها الثاني أو مات عنها وعادت إلى الأول، يلزمه ردُّ المَهْر إليها.

ولو كانت الكبيرة نائمةً، فارتضعت منها الصغيرةُ، فلا مهر لها, وللكبيرةِ نصْفُ المَهْر المسمَّى إن لم يدخل بها، وجميعه إن دخل بها، ويرجع بالغرم في مال الصغيرة على ما سبق، ولو أرضعتْها الكبيرةُ أرْبَعَ مراتٍ، ثم ارتضعت الصغيرةُ، وهي نائمة، مرةً خامسةٍ، قال في "التتمة" إن قلنا: يتعلَّق التحريم بالرَّضَعَات، ولم نحِلْه على الرَّضْعة الخامسة الأخيرة، فيسقُطُ خمْسُ مهْرِ الصغيرة، بسبب فِعْلِها، ونصْفُه بالفُرْقة قبل الدخول، ويجب على الزَّوْج خُمْسٌ ونِصْفٌ، وهي ثلاثةُ أعشار، ويرجع على الكبيرة بثلاثة أعشار مهْرِ المِثْل، على القَوْل الأظْهر، وبأربعة أخماسه على قَوْلٍ آخَرَ، والخُمْس السَّاقِط بفِعْلِها لا رُجُوع فيه، وهذا القول الآخر هو القول الذَّاهِب إلى الرجوع بجميع مهْر المثل، والله أعلم قال: وأما الكبيرة، فيسقط أربعةُ أخماس مهرها بفِعْلِها، والباقي بالفُرْقة قبل الدخول، فإن قضيتها سُقُوطُ النِّصْف، والباقي دون النصف فيسقط، وقياس ما قدَّمنا عن "المهذَّب" و"التهذيب" أن يقال يسْقُط الخُمْس من نِصْف مهْر الصغيرة،

<<  <  ج: ص:  >  >>