للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثاني: وبه قال المزنيُّ: أن عليه ببعضة الحُرِّ نَفَقَةَ المُوسِرِين، إذا كثر ماله كما أنه يخرج صدقة الفِطْر ببعضة الحر بالقِسْط، فعلَى هذا، لو كان نصفُه حرّاً، ونصفه رقيقاً، فعليه مدٌّ ونصفٌ.

وأما جنس الطعام، فغالب قوت البلد من الحنْطَة أو الأَرز أو التَّمْر أو غيرها، حتى يجب الأَقِطُ في حقِّ أهل البوادي الَّذين يقتاتونه وذلك (١) لأن الله تعالى أوجب النفقة والكسوة بالمعروف، ومِنَ المَعْروف أن يطعمها ما يَطْعَمُ أهلُ البلد، وأيضاً، فالواجب في الفطرة والكفارة الجنس الغالب فاعتبرت النفقة بهما، وعن تخريج ابن سُرَيْجٍ -رحمه الله- وجهٌ: أنَّه لا يُنْظَر إلى الغالب، وإنَّما يُعْتَبَر بما يليق بحال الزوج إلحاقاً للجنس بالقَدْر، وإذا قلْنا بالظاهر، فلو اختلف قُوتُ البلد، ولم يَكُنْ غالباً، وجب ما يليق بحال الزَّوْج.

وأمَّا لَفْظ الكتاب، فقوله: "وهو مد على المعسر" يجوز أن يُعْلَم بالحاء والميم والألف والواو؛ فإنه إذا اعتبرت الكفاية، أو اعتبر حال الزوجين جميعاً، لم يَتقدَّر الواجب، وأيضاً، فقد حَكَى القاضي ابن كج عن ابن خيران وغيره -رحمهم الله-: أن النفقة لا تتقدَّر بالمقادير المذْكُورة، ولكن يُتْبَع [فيه] عُرْف الناس في البلد، ويجوز أن تعاد العلاماتُ على لَفْظ المُدِّ، وعلى المد والنِّصْف وعلى قول: "ولا يُعْتَبَر الكفاية"، وكذا قوله: "من نصفه حر" مُعْلَمٌ بالواو والزَّاي.

وقوله: "فغالِبِ قوت البلد" بالواو.

قَالَ الْغَزَالِيُّ: الوَاجِبُ الثَّانِي الأُدْمُ وَهُوَ مِكْيَلَةُ زَيْتٍ أَوْ سَمْنٍ كُلَّ يَوْمٍ تَقْرِيباً، وَرَطْلُ لَحْمٍ فِي الأُسْبُوعِ لِلْمُعْسِرِ، وَرَطْلاَنِ للِمُوسِرِ، وَقِيلَ: يُزَادُ عَلَيْهِ فِي بَعْضِ البِلاَدِ إِذَا كَانَتِ العَادَةُ تَقْتَضِيهِ، وَلَوْ تَبَرَّمَتْ بِجِنْسٍ وَاحِدٍ مِنَ الأُدْمِ فَلَهَا السَّعْيُ فِي الإِبْدَالِ، وَلَهَا أنْ تَأْخُذُ الأُدْمَ وَإِنْ لَمْ تَأْكُلْ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: يجب على الزوج للزوجة الإدام؛ لأنه مأمور بالمعاشرة بالمعروف، وليس من المعاشرة بالمعروف وتَكْليفها الصَّبْرَ عَلَى الخُبْز البَحْث، وجنسه غالب أُدْم البلَدَ من الزيت والشيرج والسمن والتَّمْر والخَلِّ والجُبْن وغيرها (٢)، ويختلف ذلك


(١) كذا لو كانوا يقتاتون اللبن أو لحم الصيد كما صرح به أبو إسحق المروزي في شرح المختصر وهو قضية قول الشَّافعي في المختصر، وإن كان ببادية فمما يأكل أهل البادية. وقال ابن عبدان: أوجب الشَّافعي لها الحب، وعندي يجب لها الخبز. وحكى القاضي الحسين عن بعض الأصحاب أنه إذا كان الأغلب في بعض البلاد أنهم يطحنون الأطعمة بأيديهم لم يفرض لها إلا الدقيق.
(٢) فهم من ذكره التمر والخل والجبن أنه لا يختصر الأدم في أنواع الدهن، وبه صرح سليم في المجرد والماوردي والقاضي الحسين وغيرهم وكلام ابن الصباغ يقتضي حصر الأدم في الأدهان، قال الأئمة: إن كان بالعراق فالأدم فيه الشيرج والزيت، وبخراسان والحجاز فالأدم السمن أو =

<<  <  ج: ص:  >  >>