فأما إذا توافقا على خادمة، وألْفَتْها أو كانت قد حملت خادمة مع نفسها، فأراد إبدالها, لم يجز؛ لأن قطْعَ النَّفْس عن المألوف شديدٌ، إلا إذا ظهرت ريبة أو خيانة، فله الإبدال.
ولو أرادت استخدام ثانية وثالثة من مالها، فللزوج أن لا يرضى بدخولهن داره، وكذا لو حَمَلَتْ مَعَها أكثر من واحدة، فله أن يَقْتَصِر على واحد؛، ويخرج الأخريات من داره، وهذَا كما أن له أن يكلِّفها إخراج مالها من داره، وأن يمنع أبوَيْها من الدخول عليها، وأن يُخْرِجَ ولدَهَا من غيره إذا استصحبته معها.
الخامسة: إذا كانت المنكوحةُ رقيقةً، لكنها ذاتُ جمالٍ تُخْدَمُ في العادة، فهل يجب إخْدامها فيه وجهان:
أحدهما: نَعَمْ (١)؛ للعادة.
وأظهرهما: واقتصر الأكثرون على إيراد [هـ]: المنع؛ لأنها ناقصةٌ بالرِّقِّ وحقُّها أن تَخْدُمَ دون أن تَسْتَخْدِم.
وقوله في الكتاب: "نَفَقَةُ الخَادِمَةِ" المراد منها مؤنة الإخدام، والنفقة في الحقيقة مخصوصةٌ ببعض الأحوال على ما تَبيَّن، واعلم بالواو؛ لقول من أثبت خلافاً في وجُوبِ الإخدام.
وقوله: "ومنعها من الخروج للزيارة" صحيح في نفسه، إلا أنَّه لا يلائم المقصود هاهنا، فإن المقصود أن الدار مِلْكُه، فله مَنْع الغَيْرِ مِنْ شغلها وسكانها، والمنع من الخروج ليس من هذه الجهة.
وقوله: "والرقيقة المنكوحة" هذا هو الصحيح، وقد يوجد في النسخ "والرقيقة المملوكة" وهو غَلَطٌ.
الصِّنْفُ الثاني: من النساء اللواتي يَخْدِمْنَ أنْفُسَهُنَّ في العادة، فإذا كانت الزوجة منهن، نُظِرَ؛ إن احتاجت إلى الخدْمة؛ لِزَمَانَةٍ أو مرض، فعلَى الزوج إقامةُ مَنْ يَخْدِمُهَا ويُمَرِّضُها، وإذا لم تَحْصُل الكفاية بواحدة، فيزاد بحسب الحاجة، ولا فرق هاهنا بين أن تكون المنْكُوحة حُرَّةً أو أمةً، وهذا ما أطلقه الشافعيُّ -رضي الله عنه- وأكثر الأصحاب في المَرَضِ.
ومنهم: من فصَّل أمر المَرَضِ، وقال: إن كان المرض دائماً، وجب الإخدام؛ لأن العذر الدائم لا ينقص عن مراعاة الحشمة، وإن لم يكن دائماً، لم يجب كأسباب
(١) لم يصرح الرافعي بحكاية طريقين. بل قال فيه وجهان: أحدهما: نعم للعادة وأظهرهما لا، واقتصر الأكثرون على إيراد المنع. انتهى ولا يلزم من الإيراد القطع.