للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمنع بما سبق، وأيضاً، فإن بَيْع الحِنْطة بالخبز والدقيق رِباً، ورتب في الكتاب لهذا المعنى الخلاف في اعتياض الخُبْز على الخلاف في اعتياض الدَّرَاهم، وجعَلَهُ أوْلَى بالمنع، وإلى ترجيح المنع ذهب أصحابنا العراقيُّون، وتابعهم القاضي الرُّويانيُّ وغيره، وأجاب صاحب "التهذيب" بالجواز، ولم يذكر فيه خلافاً مع حكايته الخلاف في اعتياض الدراهم والدنانير، والأوَّل أقوم.

ولا يجوز الاعتياضُ عن النفقة للزمان المستقبل، ولا أن تبيع النفقة [الحالة] من غير الزوج [قبل قبضها] بحال.

الثالثة: النفقة تستحق يوماً فيوماً، ولها المطالبة بها صَبِيحة كل يوم، إذا طلع الفجر، هكذا ذكره الأصحاب، وفي "المهذب": إذا طلعت الشمْسُ (١)، ولا يلزمها الصبر إلى الليل؛ لأنها تحتاج إلى الطَّحْن والخَبْز، فلو لم تُسلَّم إلَيْها في أوَّل النَّهار، لم تنله عند الحاجة.

ولو ماتَتْ في أثناء النَّهار، أو طلَّقها, لم يكن له الاسترداد، ويكون المدفوع من تركتها لوجُوبه بأول النهار، ولو ماتت أو طَلَّقها في أثناء النهار، ولم يَدْفع إليها نفقة اليوم، كانت دَيْناً عليه، هذا هو ظاهر المذهب المشهور وفي كتاب القاضي ابن كج حكايته وجه: أن له الاسْتِرْدَادَ وإن نشزت في أثناء النهار، فله الاسترداد (٢)، وكأن ذلك لِمَنْعِها من النشوز، ولو سَلَّم إليها نفقة شَهْرٍ أو أيامٍ، فهل تَمْلِك الزيادة على نفقة اليوم؟ فيه وجهان:

أحدهما: لا؛ لأن سبب الاستحقاق غَيْرُ متَيَقَّن، فقد يموت أو تموت.

وأشبههما: وهو ظاهر ما قاله ابن الحدَّاد: أنها تملكها كالأجرة والزكوات المُعَجَّلة؛ وعلى هذا، فلو نشزت، ليسترد نفقة المدة الباقية، ولو ماتت [أو] طلقها، فوجهان؛ تفريعاً على ظاهر المذهب [في] نفقة اليوم الواحد:

أحدهما: وبه قال أبو حنيفة: أنه لا يسترد؛ لأنها صلةٌ اتصل بها القبض.

وأصحُّهما: الاسترداد، وبه قال أحمد -رحمه الله- لأنه دفع عما يلْزَمه، ويستقرُّ عليه في المستقبل، فإذا تبيَّن خلافه، استرد كالزكاة المعجَّلة، وإذا قلْنا: لا تملك ما زاد على نفقة يوم واحد، فكلما دخل يوم، مَلَكَتْ مقدار نفقته ونفقة الخادمة في وقْتِ


(١) قال في الخادم: يستثنى من إطلاقهم يوماً فيوماً ما لو أراد سفراً طويلاً فإن البغوي قال في فتاويه: إن لامرأته مطالبته بنفقتها لمدة ذهابه ورجوعه كما لا يخرج إلى الحج حتى يترك لها هذا القدر، واستشكله في الخادم واستبعده ونقل عن الاصطخري حكاية قولين وأنه رجح المنع.
(٢) محل القطع بالاسترداد أن يسترد ما بعد النشوز أمَّا استرداد ما قبل النشوز ففيه خلاف والأصح نعم.

<<  <  ج: ص:  >  >>