للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثانية: إذا لم يطالبها الزَّوْج بالزفاف، ولم تمتنع هي منه، ولا عَرَضَتْ نفسها علَيْه، وَمَضَتْ على ذلك مدَّة، فتجب نفقة تلك المدة، إن أوجبنا النفقة بالعَقْد لوجودِ المُوجِبِ وعَدَمِ المُسْقِط، وهو النشوز، وإن أوجبنا بالتمكين، لم تجب؛ إذْ لا تَمْكِينَ.

وقوله في الكتاب: "وتجب النفقة بالعَقْد بشرط عدم النشوز" ليس المرادُ أنَّ عدم النشوز شرطُ الوجوب، وإلا، لم يكن العَقْد موجباً بِمُجرَّده، ولم يَسْتَمِرَّ قَوْلُنَا في الصورة الأولى: "إن الأصل استمرار ما أوجب بالعقد"، وإنما المعنى أنها تَبْقَى بشرط عدم النشوز، فالعَقْد على هذا القول مُوجِبٌ، والنشوز مُسْقِط.

وقوله: "فعلى هذا، لو تنازعا في النشوز" كذلك ذَكَرهَا هنا، وفي "الوسيط"، ولفظ الأكثرين: "لو تنازعا في التمكين" كما ذكرنا، وكذلك هو في "البسيط"، ويُشْبِه أن يكون الذي ذَكَره هاهنا مَحْمُولاً عليه، فأما إذا توافَقَا على حُصُول التمكين، واختلفا في أنَّها هل نَشَزَتْ، وخَرَجَتْ عن طاعته؟ فينبغي أن يُقْطَع بتصديقها؛ فإن الأصل عدم النشوز واستمرار الواجِب، وهكذا ذكره القاضي ابن كج -رحمه الله- بَعْدما أجاب فيما إذا اختلفا في أصل التمكين بأن القول قوله. وحكي مع ذلك وجهاً ضعيفاً: أن القول قولها؛ لأن الأصل براءة الذِّمَّة.

وقوله في الكتاب: "إذا كانت ساكتة" يجوز أن تقرأ بالتاء أي "سَاكِتَةً" عن العرض، وطلب الزفاف، ويجوز أن تقرأ "سَاكِنَةً" بالنون أي لم يكن منها امتناع وعصيان، قال الأصحاب: وإذا سلَّمت المرأةُ نفْسَها إلى الزوج، فعليه النفقة من وقْت التسليم، ولو بعَثَتْ إليه؛ أنِّي مسلِّمةٌ نفْسي إليك، فعليه النفقة من وقت ما بَلَغَه الخبر فإن كان غائباً، فترفع الأمر إلى الحاكم، وتُظْهِر له التسليم والطَّاعة، ليكتب إلى حاكم بلَدِ الزوج؛ ليحضره ويُعْلِمَه الحال، فإن شاء، سار إليها كما أعلمه، وتَسلَّمها، أو بعث وكيلاً فتسلمها، وجبت النفقة من وقْت التسليم (١)، فإن لم يفعل، ومضى زمانُ، إمكان الرسول إليها فرض القاضي نفقتها في ماله وجُعلَ كالمتسلِّم لها؛ لأنَّ الامتناع (٢) منْه. قال في "التتمة": ولو لم يعرف موضعه، فالحاكم يَكْتُب إلى حكام البِلاد الذي تَتَوجَّه


(١) ما جزم به فيما لو بعث وكيلاً يتسلمها أن النفقة تجب من التسليم. قال في المطلب: لا نزاع فيه، وفي الكافي: أنها لو أرسلت إليه رسولاً على أن يسلم نفقتها إليه لزمه النفقة منِ حين وصول الخبر إليه، ولعله محمول على ما إذا كان في البلد كما يدل عليه كلام التهذيب.
(٢) وما جزم به من فرض القاضي النفقة من حين إمكان وصوله هو المشهور وعليه نص في الأم في كتاب القسم والنشوز، ونسبه الماوردي للبغداديين. وقضية كلام الكافي وجوبها بالعرض على القاضي، وفي الحاوي أنه على قول البصريين تجب نفقتها من حين الشروع في التسليم أي وهو من وقت الرفع إلى القاضي.

<<  <  ج: ص:  >  >>