للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إحداها: المُثْبِت لِحَقِّ الفَسْخ العجزُ والإعسارُ، أما إذا امتنع عن تسليم النفقة، مع وِجْدَانها، ففيه وجهان:

أحدهما: أن لها حقَّ الفسخ؛ لأنها لا تصل إلى حقِّها وتَتضرَّر، فيجعل الامتناع كالعجز.

وأظهرهُما: المَنْعُ؛ لأنها تَتَمكَّن من تَحْصِيل حقِّها بالسلطان؛ بأن يلزم بالحبس وغيره، وإن كان له مالٌ ظاهرٌ، أنفق السلطانُ منه، وليس ذلك موْضِعَ الخلاف، وكذا لو قَدَرَت المرأة على شيْءٍ من ماله (١)، ولو غاب، وهو مُوسِرٌ في غيبته، ولا يوفيها حقَّها، جرى الوجهان، فعلى الأظهر: لا فسخ، وكان المؤثر، تعيّبه بخراب الذمة وهو من الموسرين، ولكن يبعث الحاكم إلى حاكم بَلَدِهِ ليطالبه، إنْ كان موضعه معلوماً، وعلى الوجْهِ الآخر: يجوز الفسْخُ إذا تعذَّر تحْصيلُها, ولا تكلف أن تصبر وتتحمل الضرر، وهو اختيار القاضي الطبريِّ، وإليه مال ابن الصبَّاغ، وذكر القاضي الرُّوياني وابن أخته صاحب العُدَّة: أن المصْلَحَة الفتوى به، وإذا لم نُجَوِّزِ الفسخَ، والغائبُ موسرٌ، فلو لم نَعْلَمْ أنَّه موسر أو مُعْسِر، فكذلك الحُكْم؛ لأن السبب لم يَتَحقَّق، ومهْما ثبَتَ إعسار الغائِب عند حاكم بلَدِها، فيجوز الفسْخُ أو لا يَفْسَخ حتى يبعث إلَيْه، فإن لم يَحْضُرْ، ولم يبعث النفقةَ فحينئذ يَفْسَخ؟ ذُكِرَ فيه وجهان:

أصحُّهما: الأول، وهو الذي أورده في "التتمة"، ولو كان الرجل حاضراً، وماله غائب، فإن كان على ما دون مسافة القَصْر فلا خيار، ويؤمر بتعجيل الإحضار، وإن كان على مسافة القصر فلها الخيار، ولا يلزمها الصبر، وقد يحتج بهذا لأحد الوجهَيْن، فيما إذا غابَ، وهو موسر في الغَيْبة، وفرق صاحب "التهذيب" بينهما بما لا يَقَع، فقال: إذا كان المال غائباً، فالعجز عن جهة الزوج، وإذا كان الزوج غائباً، وهو موسر، فقدْرَتُه حاصلةٌ، والتَّعذُّر مِنْ جهتها.

ولو كان له دَيْنٌ مُؤَجَّل على إنسانٍ، فلها الخيار، إلاَّ أنْ يَكُون الأجَلُ قريباً، وُيشْبه أن يضبط القرب بمدَّة إحضار المال الغائب إلى ما دون مسافة القَصْر (٢)، ولو كان حالاً، فإن كان على المُعْسِر، فلها الخيار، وإن كان على مُوسِر، حاضر، فلا خيار، وإن كان غائباً، فعن "الحاوي": أنَّه على وجْهَيْنِ، كما لو كان الزَّوْج غائباً، وهو موسر، ولو كان له على زوجته دَيْنٌ، فأمرها بالإنفاق منه، فإن كانتْ موسرة، فلا


(١) ما ذكره من تقييد موضع الخلاف تابع فيه الإِمام فإنَّه قال: عندي أن محل الخلاف إذا لم يقدر على خلاص الحق بالسلطان ولا يأخذها طائفة من ماله فإن قدرت على ذلك لم يثبت لها الفسخ قطعاً.
(٢) ويؤيده قول الماوردي والروياني في الصانع كالبحار والجمال إذا مرض فإن كان يرجو الزوال بعد يوم أو يومين فلا خيار وإن كان بعيد الزوال ثبت الخيار. انتهى.

<<  <  ج: ص:  >  >>