النفقة، ثم اختلفوا، فقال قائلون: إن لم يثبت الخيار بالإعسار في النفقة، فالإعسار بالمَهْرِ أوْلَى، فإن أثبتناه فَفِي المَهر قوْلاَن، وعكس آخرون، فقَالُوا: إن أثبتا الخيار في النفقة، ففي المَهْرِ أوْلَى، وإلاَّ فقولان، والفرق على هذا أن النفقة في مقابَلَةِ التمْكِين والاستمتاع، فإذا أعسر بها، فحقها أن تقطع التمكين والطاعة؛ لأن الفسخ والمَهْر في مقابَلَةِ مِلْك البُضْع، فإذا أعْسَرَ به، كان لها أن تَقْطَع الملك، وتخرج من هذا الترتيب الثاني: طريقةٌ قاطعةٌ بثبوت الخيار بالإعسار وبالمهر، فإذا أخذت حاصل الطرق ورمت الاختصار، قلت: في المسألة ثلاثةُ أقوالٍ ذكره في التهذيب.
أحدها: ثبوت الخيار قبل الدُّخُول أو بعده.
والثاني: المنع في الحالَيْنِ.
والثالثْ الفرق بين ما قَبْلَ الدُّخُول وَبَعْده، والأصَحُّ منها الأول عنْد صاحب "التهذيب" وغيره.
والرابعة: الفارق عند أكثرهم، ولا خيار للمفوضة بعَجْزه عن المَهْر؛ لأَنَّها لم تستَحِقَّ المَهْرَ بالعَقْد على الصحيح، ولكنْ لها المطالبة بالفرض، فإذا فرض، كان كالمُسمَّى في العَقْد.
الخامسة: إذا لم يَنفِقْ على زوجته مدَّةً، وعَجَز عن أدائها, لم يكن لها الفَسْخ بسبب ما مَضَى حتَّى لو لم تفسخ في اليوم الَّذِي يَجُوز لها الفسخ ثم وجد النفقة فيما بعده عن الأيام لم يكن لها الفسخ بنفقة الأمس وما قبله، وينزل ذلك منزلة دَيْنٍ آخَرَ لها عليه، وفي "التتمة" ذكر وجْه أنَّ الإعسار بنَفَقَةِ الزمان الماضي كالإعسار بالصَّدَاق بَعْد الدخول، والمَشْهُور الأوَّل، ثمَّ نفقَةُ الزَّمَانِ الماضِي لا تسقط، بل تَصِير دَيْناً في الذمة، إذا كانت مقيمةً على طاعته، سواء ترك الإنفاق متعدياً أو لعَجْزه وسواء قَضَى القاضي بنفقتها، وفَرَضَ، أوْ لَمْ يَفْرِض، وبه قال مالك وعند أبي حنيفة: لا تَصير دَيْناً إلا بِفَرْض القاضي وعن أحمد -رحمه الله- روايتان كالمذهبَيْن.
لنا: أن النفقة عِوَضٌ عن الطاعة والتمكين، فإذا بَذَلَتْ ما عليها، وَجَب أن ما يستقر لها, وليست كنفقة القريب؛ لأنها تجب على سبيل المواساة؛ صيانة له على الهلاك، ونفقة الزوجة تجب عوضاً، ولذلك تجب على الموسر والمعسر بخلاف نفقة القريب، والإدَامُ ونفقةُ الخادِمَةِ يَثْبُتَان في الذمة كنفقة (١) الزوجة: وثبوت الكسوة في
(١) وما جزم به في الأدم هو أحد الوجهين، والثاني: لا يثبت لأنه تابع ولم يذكر الجرجاني في الشَّافعي غيره.