قال الرافعي: أما إذا كانت النجاسة جامدة كَالمَيتَةِ، فإن غيرت شيئاً من الماء فهو نجس، وإن لم تغير فينظر أتجري مع الماء، أم هي واقفة، والماء يجري عليها؟ فإن كانت تجري مع الماء فما فوقها الذي لم يصل إلى النجاسة وما تحتها الذي لَمْ يَصِلْ إليه النجاسة طاهران لتفاصل أجزاء الماء الجاري، فإن كل جَرْيَةٍ منه طالبة لما أمامها هاربة عما خلفها بخلاف الرَّاكِدِ، فإن أجزاءه مُتَرَادَّةٌ مُتَعَاضِدَةٌ. وأما ما على يمينها، وشمالها، وفي سمتها إلى العمق، أو وجه الماء. فيه طريقان:
أحدهما: القطع بالطهارة، لما ذكرنا من تفاصل الأجزاء.
والثاني: التخريج على قولي التباعد كالراكد، والتَّفَاصُلُ إنما يكون في طول النهر لانحدار الماء فيه لا في العَرْضِ، ومنهم من أجرى خلاف التَّبَاعُدِ فيما تحت النَّجَاسَةِ دون ما فوقها؛ لأن ما تحتها مستمد من موضعها. وفي كلام العراقيين ما يقتضي طرده في جميع الجوانب. فينبغي أن يعلم قوله:"فيما فوق النجاسة، وما تحتها طاهر" بالواو، إشارة إلى الخلاف المذكور، وإن كانت النجاسة واقفة، والماء يجري عليها، فالحكم كما لو كانت جارية مع الماء، ونزيد هاهنا أن ما يجري من الماء على النجاسة، وهو قليل ينجس بملاقاتها، ولا يجوز الاغْتِرَافُ منها إذا كان بين النجاسة، وموقع الاغْتِرَافِ دُونَ القُلَّتَينِ، فإن بلغ قلتين في الطول فوجهان:
أحدهما: وبه قال صَاحِبُ "التَّلْخِيص"، وأبُو إسْحَاقَ -رحمهما الله، أنه طاهر يجوز الاغتراف منه لحيلولة قدر القلتين، ودفعه النَّجَاسَة، وأصحهما، وبه قال ابن سريج: أنه نجس، وإن امتد الجَدْوَلُ فَرَاسِخَ لما سبق أن أجزاء الماء الجاري مُتَفَاصِلَةٌ، فلا يتقوى البعض منها بالبعض، ولا تندفع النجاسة إلا بأن تجتمع في حَوْضٍ، أو حفرة متراداً، وقد يسأل فيقال: ماء هو ألف قلة، وهو نجس من غير أن يتغير بالنجاسة هذا صورته.
قال الرافعي: بَيَّنَا انقسام الماء الجاري إلى ماء الأنهار المعتدلة، وإلى ماء الأنهار العظيمة وذكرنا حكم القسم الأول، أما النَّهْرُ العَظِيمُ فلا يجتنب فيه إلا حريم النجاسة، ولا يعود فيه الخلاف الذي ذكرناه في التَّبَاعُدِ عما حَوَالَى النجاسة، وحَكَى في البَسِيْطِ وجهاً آخر: أنه يجري الخلات فيه أيضاً، ولا بد من بيان العظيم، والحريم، وقد أشار إلى تفسيرهما في الكتاب. أما العظيم، فقد قال: هو الذي يمكن التباعد فيه عن جوانب