للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله في الكتاب: "عليها ولاية الإسكان للأب والجد" يعني إسكانها عنْدهما وضمها إليهما، وقد أشار إلى تخصيص هذه الولاية بالأب والجد، كولاية الإجْبَار على النِّكَاح، وصرَّح به في "الوسيط" و"البسيط" لكن في "التهذيب": أن للأب أن يَضُمَّها إلى نَفْسِه إلى أن تُزَوَّج، وتُزَفَّ، وكذا الجَدُّ عند عدمه، وفي الأخ والعم وجْهان (١)، وإن كانت ثيِّبَاً، فالأوْلَى أن تكون عند الأبوين أو أحدهما, ولا تجبر عليه باتفاق الأصحاب -رحمهم الله-؛ لأنها صاحبة اختيار، وممارسة وبعيدة عن الخديعة، وهذا إذا لم تكن تهمة، ولم تُزَنَّ بريبةٍ فإن كان هناك شيْءٌ من ذلك، فَلِلأَب والجَدِّ ومَنْ يَلِي مِنَ العَصَبَات تزويجُها منعها من الانفراد، ثم المَحْرَم منهم يضمها إلى نفسه، إن رأَى ذلك، وغير المَحْرَم يُسْكِنُها موضعاً يليق بها، ويلاحظها صيانةً لها، ودفْعاً للعار عن النَّسَب، وهذا كما أنَّهم يعترضون على النكاح، إذا فقدت الكفاءة، وعبر في الكتاب عن هذه الجملة بقوله: "فيثبت حقُّ الاسكان لأوليائها يعني، العصبات" وقَدْ يُفْهَم [من] هذا تخصيصُ هذه الولايةِ بالعَصَبَاتِ الدين [يعترضون] على النكاح؛ لفوات الكفاءة، ولكن ذكر في "التهذيب": أن في مَوْضِع التهمة يَضمُّها إلى نفسه أحدُ الأبوين، وأي الأولياء كانَ مِنْ جَدٍّ أو أخٍ أو عَمٍّ، فأثبت ذلك للأم، كما أثبته للعَصَبَاتِ، ولو فُرِضَتِ التهمة في حقِّ البكر، فهي أوْلَى بالاحتياط، فتمنع مِن الانفراد بلا خلافٍ، وحكي في "العُدَّة" عن الأصحاب: أنهم ذَكَروا في الأمرد إذا خِيفَ من انفراده فتنةٌ، وانقدحت تهمة: أنه يُمْنَعُ من مفارقة الأبوين (٢).

إذا ادَّعَى الوليُّ ريبةً، وأنكرتْ هي، فقد ذكروا احتمالَيْن:

أحدهما: لا يقبل لأنَّ الحكم على العَاقِلَة الحرة؛ لمجرد الدعْوَى بعيدٌ.

والثاني: وهو الأقرب: أنه يُؤْخَذُ بقوله، ويحتاط بلا بينة، فإنَّ إسكانها في موضع البراءة أهون من الافتضاح، ولو أقام بينةً.

الثانية: إنَّما يحكم بأن الأم أَوْلَى بالحضانة من الأب في حَقِّ من لا تمييز له أصلاً، وهو الصغيرُ في مبدأ الأمر، والمَجْنُونُ، فأما إذا حصل للصغير التمييزُ، فيُخَيَّر بَيْن الأبوين عنْد افتراقهما، ويكون عند من اختار منهما؛ لما رُوِيَ عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- خَيَّرَ غُلاَماً بَيْنَ أَبِيهِ وَأمِّهِ وَعَنْهُ -رضي الله عنه- أَنه اخْتَصَمَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ فِي وَلَدِ [هِ] مِنْهُمَا إِلَى رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فقالت المرأَةُ: يا رسول الله، إِنَّ ابْنِي


(١) قال النووي: أرجحهما ثبوتها.
(٢) قال النووي: الجد كالأبوين في حق الأمرد، وكذا ينبغي أن يكون الأخ والعم ونحوهما لاشتراك الجميع في المعنى.

<<  <  ج: ص:  >  >>