قَالَ الرَّافِعِيُّ: معظم الغرض الآن بيان ترتيب المستحقِّين للحضانَة، ومَنْ يستحقها من الأَقَارِبِ، ومن لا يستحقُّها، والكلام في الغرض الثاني مخْلوطٌ بالكلام [في] الأول، فنوردها كذلك، ونقول: مهما اجتمع اثنان فصَاعِداً مِنْ مستحقِّي الحضانةِ نُظِرَ؛ إن تراضَوْا بواحِدٍ فذاك، وإن تدافعوا، فقد أطْلَق في الكتاب أنَّها تَجِبُ على مَنْ عليه النفقة؛ لأن الحضانة من الكفاية، ولا شَكَّ أنه الصحيح، لكن يجوز إعْلامه بالواو؛ لما ذكرناه عن حكايته الرويانيِّ في أنه إذا امتنع الأبوان مِنَ الحضانة يُقْرعُ بينهما، ويُجْبَرُ عليها من خرجت قرعته، وإن طلبها كلُّ واحد منهم، وتزاحموا، وهم جميعاً بالصفات المشروطة في الحضانة، فهم إمَّا محضُ الإناثِ أو محْضُ الذكور أو مخْتَلِطون من الصنفين، فهذه ثلاثة أطراف:
أحدها: الإنَاثُ المَحْضُ، فأولاهن الأمُّ؛ لقربها ووفور شفقها، ثم أُمَّهاتُها المُدْلِيَاتُ بالإناث؛ لأنهن يشاركِنْها في الإرث والولادة، ويُقدَّم منهن الأقربُ فالأقربُ، ويُقدَّمن عَلَى أمهات الأب والجَدِّ، وإن بَعُدْن، وقَربت أم الأب لاختصاصهن بالولادة المحقَّقة، وولادة [أم] الأَب والجد ظاهرةٌ، ولأنهن أقوى في الإرث لا يَسْقُطْن بالأب، بخلاف أمهات الأب، ثم بَعْد أمهات الأم قولان:
الجديد: أنه تُقدَّم أمُّ الأب ثم أمهاتُها المُدْلِيات بالإناث، ثم أم [أب الأب، ثم أمهاتها المدْلِيَات بالإناث، ثم أمُّ أب] أب الجد، ثم أمهاتها كذلك، وتتقدَّم منهن الأقرب فالأقرب، وتتأخَّر عنهن الأخوات والخالات، وبهذا قال أبو حنيفة، ووُجِّه بأنهن جداتٌ وارثاتٌ، فيتقدمن على الأخت والخالة، كأمهات الأم وبأنهن أكثر شفقةً وأقْوَى قرابةً، ولذلك يعتقن على الوَلَدِ.
والقديم: أنه تقدَّم الأخوات والخالات، على هؤلاء الجدات، أما الأخوات؛ فلأنهن رَقَدْنَ مع المولود في رحِمٍ واحد [ة]، وصلب واحدٍ، وأما الخالات؛ فلما رُوِيَ في قصَّة بنْتِ حمزة -رضي الله عنهما- أن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: الخالة بمنزلة الأمِّ، ولأنهن يُدْلِينَ بالأم، وهؤلاء للجدات يُدْلِينَ بالأب، والأم تُقدَّم على الأب في الحضانة، فكذلك مَنْ يدلي بها على مَنْ يدلي به، والقولان متفقان على تقديم جنْس الأخوات على الخالات؛ لِقُرْب الأخوات، وعلى أن الخالاتِ يَتقدَّمْن علي بنات الأخوات وبنات