للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الرَّافِعِيُّ: إذا اجتمع الذكور والإناث من أهْل الحضانة، فإن كان فيهم أمٌّ فهي أوْلَى من الأب وغيره، على ما وَرَدَ في الخَبَر "أنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي" (١) والمعنى فيه أنَّها تساوي الأب في القرب والشفقة وتختص بالولادة المحقَّقة ولصلاحية الحضانة بسبب الأنوثة، وأيضاً، فالأب لا يَسْتَغْنِي في الحضانة عن النِّساء، ولا يكاد يباشرها وهي تباشرها، ثم أمُّ الأمِّ، وإن علَتْ كالأم؛ لأنها تشاركها في الشفقة [والأنوثة] والولادة المحقَّقة، ولو نكَحَتِ الأمُّ، ورضِيَ أبُ المولود بأن يكون عنْدها، ورضِيَ زوْجُها أيضاً، فيسقط حقُّ الجدة أو يقال: لها الحضانة، ولا يتأثر حقُّها بتراضيهما؟ ذَكَرَ في "التهذيب" فيه وجهَيْن، وجَعَل أصحَّهما (٢) أوَّلَهُما، وأما الجَدَّات من قِبَلِ الأب، إذا اجتمعْنَ مع الأب [قدم عليهن]؛ لأنهن يُدْلِينَ به، فيبعد أن يتقدَّمن عليه، هذا هو الصحيح المشهور، وفيه وجْهٌ، ويقال: قول: مخرج أنهن يتقدَّمْن عليه لولادتهنَّ وزيادة صلاحيتهن (٣)؛ للحضانة.

قوله في الكتاب: "على أصح القولين" يعني المنصوص، والمُخرَّج على أن أكثرهم سكَنُوا عن الخلاف في المسألة، وأجرى الخلاف مثبتوه في الأخْتِ من الأب، مع الأب وإن كانَتْ فَرْعاً له ومُدْلِيَةً به، [لصلاحيتها] وأما الأخت من الأبوين أو من الأم والخالة، فإن قلنا: بالقديم وقدَّمْناهُنَّ على أمهات الأب فكذلك يتقدَّمن على الأب، لا سيَّما إذا قدَّمْنا أمهات الأب على الأب، وإن قلنا بالجديد، وقدَّمنا أمهاتِ الأبِ على الأخْتِ والخالة، ففي الأخت المدْليَة بالأم والخالة مع الأب وجهان:

أحدهما: أنهما يتقدَّمان عليه، وبه قال أبو حنيفة وابن سُرَيْجٍ وأبو إسحاق والإصْطَخْريُّ؛ لأنوثتهما وإدلائهما بالأم، فأشبها أمهاتِ الأُمِّ.

وأظهَرُهُمَا، وبه قال صاحب "الإفصاح": أن الأب يتَقدَّم عليهما؛ لقربه وولادته وعصوبته، وهو ظاهر رواية المزنيِّ، ونص رواية الربيع واختيار الأكثرين، وإذا قدَّمْناهُمَا على الأبِ، فلو اجتمعَتْ مع الأب أو الأخت للأم، والخالة أم الأب فوجهان: قال


(١) تقدم.
(٢) وعبارة المصنف "ذكر في التهذيب وجهين وجعل أصحهما أولهما" انتهى وقد يستشكل هذا التصحيح بما ذكره فيما إذا نكحت الأم أجنبياً ورضي بالولد فإنهما جزما بأنه لا أثر لذلك لجواز الرجوع فيتضرر الولد، وقد يعرف تأكد الرضى هنا برجوده من الأبوين، وقد استغرب في المطلب ما ذكره البغوي والمراد بالجدة أم الولد وإن أطلقها البغوي.
(٣) تعليله الوجه في تقديم الأب بالولادة والصلاحية لا معنى له؛ لأنه إما أن يعني بها ولادة المحضون فالأب يشاركها في ذلك بل هو أولى بهذا الوصف، وإما أن يعني به ولادة الأب التي هي محققة، فهذا الوصف لا يتعلق بالمحضون.

<<  <  ج: ص:  >  >>