للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخلاف في أن عمدهما عمدٌ أو خطأٌ؟ وإن لم يكن لهما تمييز، وكانَا يسارعان إلى ما أُغْرِيَا به أو كان المجنون ضارياً، فالقصاص أو كمالُ الدية على الآمِرِ، وليّاً كان أو أجنبيَّاً، ولو أمر أحدهما بقَتْل نفسه، فعلى الآمر القصاصُ، ولو قَتَلَ مثلُ هذا الصبيِّ أو المجنونِ أو أتلفا مالاً من غير حَثٍّ من أحدٍ، فهل يتعلَّق الضمان بما لهما؟

عن الشيخ أبي محمد تخريجه على الخلاف المذكور في التعلق برقبة العبد؛ لأنه يشبه إتلاف البهيمة (١) العادية، وإذا وَقَفْتَ على ما أودْرنَاه لم يَخْفَ عليك أن قوله في الكتاب: "ولو أمره متغلِّب، علم مَنْ عادته السَّطْوُ عند المخالفة" المراد منه السطوة بما يحْصُل به الإكراه، وأن الحكم لا يختص بالمتغلِّب بل السلطان، إذا عُرِفَ ذلك من عادته، كان كالمتغلِّب بطريق الأوْلَى.

وقوله: "بخلاف العبد إذا قتل سَيِّده" المراد من الإذنِ الأَمْرُ لا مجرَّد الترخيص؛ ألا تَرَاه يقول: "إذْ ليس في مخالفته" وليس للترخيص المجرد مخالفة.

وقوله: "على وفق الشرع" لا يتعلَّق بذكره كبيرُ حاجة، فإنَّ مخالفة السيد على أي وجْهٍ كانت، لا تفتح باب الفتنة التي تعرض مثلها في مخالفة السلطان.

وقوله: "فالسيد يأمْرِهِ كَالمُغْرِي للسَّبُع" المراد الصورة التي يتَعَلَّق القصاص فيها بإغراء السبع، ولا يَتعلَّق بالقصاص بمُطْلَق إغرائه على ما سيأتي، إن شاء الله تعالى.

وقوله: "وكذا المجنونُ الحرُّ إذا كان هذا طبعه" يعني أنه يجري الخلاف في تعلُّم الدية والضمان بِمَالِهِ إذا قتل من غير حثٍّ وإغراء.

فَرْعٌ: العبد الصغير المميز، ولو أُكْرِه على القَتْل، فقَتَل، هل تتعلَّق الدية برقبته؟ قال الإِمام: يبنى على أن المُكْره الحُرَّ هل تلزمه الدية، إن قلنا؛ نعم، فنعم، وإن قلنا: لا، ففي التعلُّق برقبته الخلافُ المذكورُ في التعليق برقبة العبد الأعجميِّ؛ لنزوله منزلة الآلة آخر: أمره الإِمام بصُعُود شجرة أو النزول في بئر، فامتثل، وهَلَكَ به، فإن لم نجْعَلْ أمره إكراهاً، فلا ضمان، كما لو أمره واحِدٌ من الرعية، وإن جعلْناه إكراهاً، فإن كان يتعلق بمصلحة المسلمين، فالضمان على عاقلة الإِمام أو في بيت المال فيه قولان، نذكرهما في نظائرهما، وإن كان يتعلق به خاصةً، فالضمان على عاقلته، قاله في التهذيب، والله أعلم.

قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَلاَ يُبَاحُ بِالإكْراهِ الزِّنَا وَالقَتْلُ، وَيُبَاحُ بِهِ شُرْبُ الخَمْرِ وَالإِفْطَارُ


(١) قال النووي في زوائده: قال أصحابنا: لو أمر صبياً لا يميز بصعود شجرة، أو نزول بئر، ففعل، فسقط فهلك، فعلى عاقلة الآمر الدية. والله أعلم.
وقد جزم القاضي الحسين في فتاويه بأنها على الآمر.

<<  <  ج: ص:  >  >>