للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَصِيبينَ، وجب القصاص، وإن كانت مما لا تقتل غالباً، فقولان.

أحدهما: أنه شبه عمْدٍ؛ لأنه لم يظهر منه قصْد القتل.

والثاني: أنه يتعلَّق به القصاص؛ لأن نهشها يشق الجلْدَ، فيرتقب منه الغور والنكاية والجراحة، وإن صغرت، يتعلَّق بها القصاص، كما تقدَّم في غرز الإبرة، وهذا ما أورده الإِمام وصاحب الكتاب، والأول أصحُّ عند صاحب "التهذيب" والقاضي الرويانيُّ، وعنهما: إن لم يُنْهِشْهُ، ولكن ألقى الحية عليه، أو ألقاه عليها أو قيَّده وطَرَحَه في موْضِع فيه حيَّات وعقاربُ، فقتله، فلا قصاص ولا ضمان، سواءٌ كان الموضع ضيقاً أو واسعاً؛ لأنه لم يُلْجئْها إلى القتل (١)، وإنما قتلَتْه هي باختيارها، فَفِعْلُهُ مع قتْلِها كالإمساك مع مباشرة القَتْلِ، ولو عرضه لافتراس السَّبُع الذي يقتل غالباً، كالأسد والذئب، هدفه له، حتى صار السبع كالمُضْطَر إليه، لزمه القصاص (٢)، كما في انتهاش الحيَّة، حكاه القاضي ابن كج عن النصِّ، فإن كان السَّبُع مما لا يقْتُل غالباً، فليكن كالحية التي لا تَقْتلُ غالباً، وإن أرسل إليه السبع أو أغْرَى عليه كَلباً عَقُوراً في موضعٍ واسعٍ؛ كالصحراء، فقتله، لا يجب القصاص، وكذا لو طرحه في مسبعة أو بَيْن يدَي السبع في الصحراء مكتوفاً أو غَيْرَ مكتوف؛ لأنه لم يُلْجِئْه إلى القَتْل، والذي وُجِدَ منه ليس بمهلك كما لا قصاص لا ضمان، كما في المُمْسِك مع القاتل، ولا فرْق بين أن يكون المطرُوح صغيراً أو كبيراً، وفي الصبى وجه: أنه يجب الضمان، وبه قال أبو حنيفة، وقد ذكر صاحب الكتاب الخلافَ فيه في الغصْب، ولو أغراه به في موضعٍ ضيقٍ أو حبَسه معه في بِئْرٍ أو بيت، فقتله، وجب القصاص مكتوفاً كان أو لم يكن؛ لأنه ألجأ السبع إلى عقره وقَتْلِه، وليس السَّبُع كالحية حيث لم يفرق فيها بين الموضع الواسع والضيق؛ لأن الحية، تنفر من الآدمي، والسبع يقصده في المضيق، ويتوثب عليه، وفي الموضع الواسعِ لا يقْصِده قصْدَه في المضيق، إنما يقصد قصد الدافِعِين، ويمكن التحرز والقرار منه، فهذا هو المشهور والمنقول عن النص، وعن القاضي الحُسَيْن وغيره: أن الحية، إن كانَتْ تقصده ولا تنفر، كانت كالسَّبُع، وأنها أنواعٌ مختلفةُ الطباع، وأن السَّبُع، إذا كان ضارياً شديد العَدْو، وكان لا يتأتى الهَرَبُ منه في الصحراء، وجب القصاص، وهذا جعله الإِمام كالبيان والاستدراك لما أطلقه الأصحاب، وأرسلوه وصاحب "التهذيب" وغيره من أصحاب القاضي جعَلُوا المسألة مُخْتَلَفاً فيها، وأقاموا هذا وجهاً آخَرَ، وعليه جرى صاحب الكتاب كيفما قدر، فقيد صورة الحية بما إذا كان من


(١) ما جزم به في هذه المسألة نص عليه الشافعي في الأم، وفيه إشكال إذا كانت الحية تعرف بالإهلاك وقصد من يمر بها فضلاً عمن يلقى عليها أو صار مقيداً في موضعها.
(٢) حكاه ابن كج عن النص وقال في المطلب: ولا خلاف فيه بين الأصحاب.

<<  <  ج: ص:  >  >>