للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سلمة وابن الوكيل، والأصَحُّ من الطريقتين عنْد المُعْظَم تخْصِيص القولَيْن، بما إذا قَصُرت المدَّةُ، والراجح من القولَيْنِ عند صاحب "المهذب" قول الوجوب، وعند الشيخ أبي حامِدٍ والإمام وغيرهما قول المنْعِ، هذا حكْم القصاص، وأما الدِّيَة ففيها قولانِ وثالث مخرج عن ابن سُرَيْج، وقد يعبر عنْها بالوجوه.

أصحها عند أكثرهم: أنه يجب كمالُ الدية؛ لوقوع الجرح والمَوْت في حال العصْمة؛ ولأن في الدية يُنْظَر إِلى آخر الأمر.

وأصحُّهما: عند صاحب "التهذيب"، وجوب النصف توزيعاً على العصمة والإهدار، ويجعل حالة العصمةِ حالةً واحدةً، كما لو جرح مسلماً فارتدَّ وجرح آخَرَ في الردة، ثم عاد إلى الإِسلام، ومات يَجِبُ على الأول نصْفُ الدية، وهذان القولان كقولين نُقِلا عن الإِمام (١) فيما إذا قَطَع مسْلِمٌ يدَ مسلم خطأً، وارتدَّ القاطع، ثم عاد إلى الإِسلام، ومات المقْطُوع بالسراية، أن العاقلة تَحْمِلُ كُلَّ الديةِ أو نصْفَها، والنِّصْفَ في مال القاطع.

والثالث: منسوبٌ إلى ابن سُرَيْجٍ أنَّه يجب ثُلُثَا الديةِ توزيعاً على الأحوال الثلاثِ حالَتَي العصمة وحالة الإهدار، وعن القاضي الطبريّ قول محوَّج: أن الواجبَ أرْشُ الجراحة لا غير؛ لأن الردة تقطع تأثير السراية، فتقرر الأَرْش كالبرء.

نعم، لو زاد الأرْش على قدْر الدية، لم يجب إلا قدْر الدية، وحاصله إيجابُ أقلِّ الأمرين منْهما، ثم الكلام في موضع هذا الخلاف من وجْهَيْن:

أحدهما: قال أكْثَرُهم: موْضع الخلاف ما إذا طالَتْ مدة الإهْدار، أما إذا قَصُرَتْ، فلا خلاف في وجوب كمال دية، وحكى الإِمام طريقةً طاردةً للخلاف في الحالَتَيْن.

والثاني: قال الإِمام [إن أوجبنا القِصَاصَ،] (٢) فلو آل الأمرُ إلى المال، ففيه الوجوه، وهذا يُشْعِر بما إذا عفا عن القصاص، وقد يشير به إلى ما إذا كان الجُرْح خطَأً أيضاً، وكذا صوَّر صاحب الكتاب الخلافَ فيما إذا كان خطأً، تفريعاً على وجُوبِ القصاص، وفي "التهذيب" أنا إذا أوجبْنا القصاصَ، فعفا، وجب كمال الدية بلا خلاف، وإنما يجيءُ التفصيل والخلافُ في الدية إذا لم نُوجِب القصاص، وهذا أوجَهُ، ولْتَكُنْ كذلك صورة الخطأ، إذا قلْنا بوجوب القصاص في العَمْد، ولْيُعْلَم قوله في الكتاب: "ففي القصاص قولان" للطريقة المنزلة للنصين على الحالَتَيْن، فإنها لا تثبت الخلاف.

وقوله: "لمقارئة الإهدار بعض أجزاء السبب" يعني أن سببَ الهلاكِ الجراحةُ


(١) في ب: "الأم".
(٢) سقط من: ز.

<<  <  ج: ص:  >  >>