للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على وضوحه أنَّه لا يُقَابَلَ طَرَفٌ بطَرَفٍ من غَيْر جنسه، كاليد والرِّجْل والعين والأنف، فإذا اتحد الجنْسُ، لم يؤَثِّر التفاوت في الصَّغَر والكبر والطول والقِصَر والقوَّة والضعف والضخامة والنَّحافة، كما لا تعتبر مماثلةُ النفسين في هذه (١) الأمور، والسبب فيه أن مماثلة النفُوس والأطْرَاف فيها وفي نحوها، يكاد تَتَّفِقُ، وفي اشتراطِها إبطالُ مقصودِ القِصاصِ، ولذلك تُقطَع يد الصانع بيد الأَخْرَق، كما يقتل العالِمَ بالجَاهِل، وإنما يُؤثِّر التفاوت في أمور.

أحدها: تفاوتُ المَحلِّ والقدر.

أما المحلُّ، فلا تقطع اليد اليُمْنَى باليُسْرَى، وبالعكس، وكذلك في الرِّجْل والعين والأذن، ولا يقطع الجفن الأعلَى بالأسْفَل، وبالعكس، وكذلك في الشَّفَة، وذلك لاختلافِ المنافع، واختلاف تأثير المحالِّ بالجراحات، وكذلك لا تُقطَع أصبعٌ بأصبعٍ، كالسبابة والوسْطَى، ولا أنملةُ أصبعٍ بأنملةٍ أخْرَى من تلك الأصبع ولا أصبع زائدةٌ بزائدة أخرى، إذا اختلف محلُّهما بأن كانت زائدةُ الجانِي أو المجنيِّ عليه في جانِب الخِنْصِرِ، وزائدةُ الآخر بجنب الإبهام، بل تؤْخَذ الحكومةُ، وأما القدْر فالتفاوت في الحَجْم صغراً وكبراً وطولاً وقصراً لا يُؤَثِّر في الأعضاء الأصليَّة وأما في الأعضاءِ الزائدةِ، كالأصبع والسِّنِّ الزائدتين، فقد أطلق مُطْلِقُون، منهم صاحب "التهذيب" فيه وجهَيْنِ.

أحدهما: وبه قال صاحب "التقريب": أنه لا يؤثر أيضاً كما في الأصلية. والثاني: يؤثر؛ لأنه ليس لها اسمٌ مخصوصٌ حتى يُكْتَفَى بالاتفاق في الاسم، كما يكتفى في اليمين واليسار وفي السَّبَّابة والوسْطَى، فيُنْظَر إلى القَدْر، وتراعى الصورة، وهذا ما حكاه القاضي ابن كج عن أبي الطيِّب بن سلمة في السِّنِّ، ونسب الأوَّلَ إلى أبي إسحاق، وغيره ينسب إليه الثاني فإذا جعل التفاوت في الحَجْم مؤثراً فإن كانَتْ زائدةُ الجاني أكْبَرَ؛ لم يقتص منْه، وإن كانت زائدةُ المجنيِّ عليه أكبر اقتص، وأُخِذَتْ حكومةٌ تقدر النقصان، ومنْهم مَنْ خصَّص ذكْرَ الخلاف بالسِّنِّ وسكَتَ عنه في الأصبعِ، ثم الوجهان فيما رأى الإِمام مخصوصانِ بما إذا لم يؤثِّر تفاوتُ الحجْم في الحكومة، فإن أَثر، اختلفت نسبتُهما إلى الجُمْلة، وذلك ممَّا يمنع القِصَاص، ولذلك لم تُقْطَعِ الصحيحةُ بالشَّلاَّء؛ لأن الصحيحةَ نصْفُ الجملة، والشلاء ليستْ نصفاً على ما سبق، قال: والاختلاف في اللوْن وسائر الصفات، لا يُؤثِّر بعد التساوي في الحُكُومة، بخلاف التفاوُتِ في الحجْم، وتقطع الزائدةُ بالأصليَّةِ، إذا لم يختلِفِ المحلُّ ولا شيء له


(١) وقد ذكر في التفاوت الثالث ما يخالف هذا الإطلاق وهو ما لو كانت أصابع إحدى يديه وكفيها أقصر من الآخر. ففي التهذيب لا قود في القصرى لأنها ناقصة وفيها دية ناقصة محكومة.

<<  <  ج: ص:  >  >>