للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واحدةً، والشق شيئاً فشَيْئاً، ويرفق في موْضِع العلامة، ولا عبرة بتفاوتِ الشاجِّ والمشجوج مِنء غلظ الجلد واللَّحْم؛ لأن اسم الموضِّحة يتعلَّق بإنهاء الجراحة إلى العَظْم والتساوي في قَدْر الغوص قليلاً مَا يتَّفِق، فينقطع النَّظَر عنْه، كما ينقطع النَّظَر عن الصِّغَر والكبر في الأطْراف، وعن أبي إسحاق أنَّه يعتبر التساوِي في العُمْق، ولا يغوص شعيرتين في مقابلة شعيرة، وهذا حمله الأئمة على السهْو منْه أو مِمَّنْ رواه عنه.

وأما محلُّ الموضِّحة، فإن أوْضَحَ مِن إنسان جميع رأْسِه، ورأسُ الشاجِّ والمشجوج متساويانِ في المساحَةِ، أوْضَحَ جميعَ رأْسِه، فإن كان رأْسُ الشَّاجِّ أصْغَرَ، استوعبْنا رأْسَهُ إيضاحاً ولا نكتفي به، بخلاف اليد الصغيرة، فإنه يكتفى بها في مقابَلَة الكبيرة، وفرق بأن ما به التفاوُتَ بين اليدَيْن على تجرُّده ليْس بِيَدٍ، وما به التفاوت بين الموضِّحتين على تجرُّده موضِّحة، فلا يجعل تابعاً وأيضاً، فالمرعيُّ هناك اسم اليد، وهاهنا المعتبر المساحة؛ ألا ترى أن يد القاطع، لو كانت أكبر قُطِعت، ورأس الشاجِّ لو كان أكبَرَ، لا يستوعب وَلاَ ينزل الإتمام المساحة إلى الوجّه، ولا إلى القَفَا، فإنهما عضوان وراء الرأْس، فلا تقابل موضِّحة عضْوٍ بموضِّحة عضْوٍ، كما لا يقابل عضْوٌ بعضْوٍ، ولكن يُؤْخَذ قسْطُ ما بَقِيَ منَ الأرش، إذا وُزِّع على جميع الموضِّحة فلو كان المستوفَى في إيضاح جميع رأسِهِ قَدْر الثلثينُ، أُخِذَ ثلثُ الأرش، وشبه ذلك بما إذا قطع ناقصُ الأصابعِ يدًا كاملةَ الأصابع، فإنه تقطع يده الناقصةَ، وتؤخذ أرْشُ الأصبع الناقصة، وعند أبي حنيفة: لا يَأْخُذ شيئاً من الأرْش مع القصاص، ويتخيَّر في الابتداء بين أن يقنع بإيضَاحِ رأْسِه، وبين أن يَدَع القصاص، ويأخذ أرشَ الموضِّحة.

وإن كان رأسُ الشاجِّ أكَبَر، لم يُوضَحْ جميع رأسه، بل يُقدَّر ما أوْضَح بالمساحة، والظاهر الذي أورده أكثرهم أن الاختيار في موْضِعِهِ إليه؛ لأن جميع رأسِه محَلُّ الجناية، ووراءه وجهان:

أحدهما: أنه يبتدئُ من حيْث ابتدأ الجاني، وَيذْهَب في الصوب الذي ذَهَب إليه إلى أن يتم القدْر، ويقال: إن هذا اختيار القاضِي حُسَيْنَ -رحمه الله-.

والثاني: أن الاختيار إلى المجنيِّ عليه، فإن كان في رأْس الشاجِّ موضِّحة، والباقي يُقدِّر ما نريد القصاص فيه تعيَّن وصار كأنه كلُّ الرأس، ولو أراد أن يستوفِي في بعْض حقِّه من مُقدِّم الرأس، والبعْضَ من مؤخره، فقد حكى صاحب "التهذيب" في تمكينه منه وجهَيْن:

أحدهما: يُمَكَّن؛ لأن الموضعَيْن محلُّ الجناية مِنْ رأسه.

وأظهرهما: المنع؛ لأنه مقابلةُ موضِّحتين بموضِّحة، ومَنِ استحق القصاصَ في موضحة وَتمكَّنَ من استيفائها، فأراد أن يستوفي البعْضَ ويأخُذَ للباقي قَسْطَه من الأرش، هل له ذلك؟ فيه وجهان في "النهاية":

<<  <  ج: ص:  >  >>