للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: ولست أرى الأمْرَ كذلك؛ لبقاء الجرم بصفة (١) الصحة، وتقطع المخرومة بالصحيحة، ويؤخذ من الدِّية بقدر ما كان قد ذهب من المخرومة.

الرابعة: تُقْطَع أنف الصحيح بانف الأخشم؛ لأن الشم ليس في جرم الأنْفِ وهل يقطع أنفُ السليم بأنف المجذوم قال في "التهذيب": إن كان في حال الاحمرار قُطِع به، وإن اسودَّ، فلا قصاص لأنه دخل في حد البلى وإنما الواجب فيه الحكومة، ولم يفرق وقالوا: عامة الأصحاب بين الاحمرار والاسوداد وقالوا: يجب القصاص مَا لَمْ يسقطْ منه شيْءٌ، ولا يجعل استحكام العلَّة واليأس من زوالها منزلةَ الشَّلَلِ في اليدِ؛ لأن منفعة اليدِ تبطل بالشَّلَل، وأصل الجمال والمنفعة في الأنف باقٍ ما بقيَ جرمه، أما إذا سقط منْه شيْءٌ، فلا يقطع به الصحيح، ولكن يقطع منه بقَدْر ما كان قد بَقِيَ من المجنيِّ عليه إن أمكن، وإن كان بأنف القاطِع نقصانٌ مثْل نقصان أنف المجذوم جَرَى القصاص.

قال الإِمام: وظن بعض الأصحاب أن الشافعيَّ -رضي الله عنه- أسقَطَ القصاصَ فيه، إذا سقط منه شيءٌ بالجذام، وإن كان نقصان أنْفِ القاطعِ مثْلَ نقصانه وهو غلَطٌ.

الخامسة: لا تؤخذ العيْنُ الصحيحةُ بالحدقة العمياء، والصورة القائمة من الحدقة كاليد الشلاء وتؤخذ القائمة بالصحيحة، إذا رضي المجنىٌّ عليه به، ويقطع جفْن البصير بجفن الأعمى؛ لتساوى العضْوَيْن في الجرم والصحة، وفقد البصر ليس في الجَفْن.

السادسة: لسان الناطِقِ لا يُقْطَع بلسان الأخرس؛ لأن النطق في جرم اللسان، واللسان العاطلُ كاليد الشلاء، والحدقة القائمة كأذن الأصم، وأنف الأخشم، ويقطع لسان الأخرس بلسان الناطق، إذا رضي به المجنيُّ عليه ويقطع لسان المتكلِّم بلسان الرضيع، إن ظهر فيه أثر النُّطْق بالتحريك عند البكاء وغيره، وإلا لم يُقْطَع.

وعند أبي حنيفة: أنه لا يُقْطَع به حالٍ، وإن بَلَغ، أو آن المتكلم ولم يتكلَّم، لم يقطع به لسان المتكلم، وقد وقع في ترتيب صور الكتاب بعض التقديم والتأخير للحاجَةِ، وليعلم قولُه: "وتُقطع الشَّلاءُ بالصحيحة" للوجه المُعْزَى إلى أبي إسْحَاق.

وقوله: "ولا يضم إليها أرشٌ" مغنٍ عن قوله: "إن قنع بها"، والشرط أن لا يخاف نزْف الدم، كما بيَّنَّا، ولم يتعرض له.

وقوله: "ويقطع ذكر الصحيح" مُعْلَم بالحاء والميم والألف.

وقوله: "كما تقطع أذُنُ السميع" بالميم.

وقوله: "إلا إذا أخذ الجذام في التَّفتُّت" أي فلا يقطع به الصحيح كلُّه، وإنما


(١) قال النووي: هذا الذي قاله الإِمام ضعيف.

<<  <  ج: ص:  >  >>