لا يُنْتظر بلوغُ هذا، وإفاقة ذلك. وعن أحمد روايتان، [لنا] أن للصبيِّ والمجنون حقّاً في القصاص؛ ألا ترى أنهما يستحقانه بتقدير الانفراد، وإذا ثَبَت لهما حقُّ القصاص وجب أن لا يفُوتَ عليهما بالاستيفاءِ، كما في حق الغائب، وهذا لأن القصاص للتشفِّي ودرك الثأر، فحقُّه التفويض إلى خيرة المستحق.
وإذا انفرد صبيٌّ أو مجنونٌ باستحقاق القصاص، لم يستوفه الوليُّ، والقيِّم يستوي فيه قصاص النَّفْس والطَّرَف (١) وعند أبي حنيفة: للوليِّ استيفاء [القصاصين] وللوصي استيفاء قصاص الطَّرَف، وسلَّم أن القيَّم لا يستَوْفِي واحداً منهما، وقد سبق في:"باب الحجر" أن الوليَّ لا يستوفي قصاصَ الصبيِّ، ولا يعفُو عنه، ولكن لم يذكر مذهب أبي حنيفة هُنَاك ويجوز أن يُعْلَم قوله في الكتاب هناك:"ولا يستوفي قصاصه" بالحاء.
وأما أن الوليَّ هل يأخذ المال، وهل للمستحِقِّ عند كمال الحالِ، أن يرد المال ويقتص، فقد ذكرناه في باب "الحجر"، وفي "باب اللقيط" ويحبس القاتِلُ إلى أن يبلغ الصبيُّ وبفيق المجنون، ولا يُخَلَّى بالكفيل، فقد يهرب، فيفوت الحق، وكذلك يُحْبَس إلى أن يَقْدُم الغائبُ ضبْطاً لحقِّ القتيل، كما لو وَجَد الحاكمُ مال ميِّت مغصوباً، والوارثُ غائبٌ، فإنه يأخذه حِفْظاً لحقِّ الميت، وذكر ابن الصباغ أنَّ في قصاصِ الطرَف لا يُحْبَسُ الجاني إلى قُدُوم الغائب؛ لأن الحاكم لا ولاية له على الغَائِب المكلف، كما لا يأخذ ماله المغصوب، وفي كلام الإِمام وغيره ما يُنَازع فيه، ويُشْعِر بأنه يأخذ مال الغائِب ويحفظه له، وأن الحاكِمَ يحبس الجانِيَ [في قصاص الطرف] أيضاً، وفي "أمالي" أبي الفرج السرخسي أنَّ الشيخ أبا عليٍّ قال: لا يُحْبس القاتل، بل يطلب منه كفيلاً؛ لأن الحَبْس ضمُّ عقوبة إلى القصاص المستَحقِّ عليه، وحمل الحبس في كلام الشَّافعيِّ -رضي الله عنه- على التوقُّف والانتظار، والمشهورُ الأوَّلُ، قال الأصحاب: وإحياؤه محبوساً أهونُ عليه من استعجال القتل، ولا طريق إلى حفْظ الحقِّ سواه.
الثانية: إذا كان القصاصُ لجماعة، وهم حضور كاملو الحال، فليس لهم أن يجتمعوا على مباشرة قتْله؛ لأن فيه تعذيباً وإهانةً، ولكن يتفقون على واحدٍ يستوفيه أو يوكلون أجنبياً، وإن تزاحموا ورام كلُّ واحد منهم أن يستوفي بنفسه، أقرع بينهم، فمَنْ خرجت القُرعةُ له، تولاه، ولكن بأن الباقين، فلو أخَّرُوا، لم يكن له أن يستوفِيَهُ، ويخالف ما إذا تزاحَمَ الأولياء على التزويج، فأقرع بينهم، لا يحتاج من خرَجَتْ له
(١) قال في الخادم: قال في الذخائر: هذا إذا ثبت القصاص للطفل بإرث عن غيره فلو كانت الجناية على الطفل في طرفه ثبت له القصاص وكان للولي استيفاؤه وكذلك في المجنون، وقال القفال: للسلطان استيفاؤه.