للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قطَع الواحدُ أَطرَافَ جماعةٍ؛ لأنها جناياتٌ، ولو كانت خطأً، لم تتداخل، فعند التعمُّد أولَى وهذا القدْر من المسألة مذكورٌ في الصفات التي يُفْضُل بها القاتلُ القتيل، وحكَيْنا هناك خلافَ مَنْ خالف فيه، ولو رضَي الأولياءُ بأن يُقْتَل بهم جميعاً، وَيرْجِعُوا إلى ما يبْقى لكلِّ واحدٍ من الدية عند [فض] القصاص عليهم، قال الإِمام: لا يُجَابون إلَيْه، لا يختلف المذهب فيه، ثم يُنْظَر؛ إن قتلهم على الترتيب، فيُقْتَل بالأول، وللباقين الدياتُ، فإن عفا وليُّ الأول، قُتِلَ بالثَّاني، وهكذا يُرَاعى الترتيب، وإن لم يَعْفُ وليُّ الأول، ولا اقتص، فلا اعتراض عليه، وليس لوليِّ الثاني أن يَبْتَدِرَ إلى قتله، ولو فعل، عُزِّر، ولا غُرْم عليه، بل يقع قتله قصاصاً عن القصاص المستَحَقِّ له، وينتقل حقُّ الأول إلى الدية، وعنه رواية القاضي الحُسَيْن وجه ضعيفٌ: أنه يُغرَّم للأول ديةَ قتيله، ويأخذ من تركة الجانِي ديةَ قتيل نفسه، وإن كان وليُّ القتيل الأولِ غائباً أو صبيّاً أو مجنوناً، حُبِس القاتلُ إلى أن يَحْضُر وليُّ الأول، أو يكمل حاله، وفي "أبانة الفوراني" قولٌ عن رواية حرملة: أن للثاني أن يقتص، ويصير الحضورُ والكمال مرجِّحاً.

وإن كان قد قتلهم معاً؛ بأن هدَمَ عليهم جداراً أو جرحهم وماتوا معاً، فيُقْرَع بينهم فمَنْ خرجَتْ له القرعة، قُتِل به، ولو خرجَتْ لواحد، فعفا وليُّه أعيدت القُرْعَة بين الباقين، وكذا لو عفا ثان، خرجت القرعةُ له، والمفْهوم من إطلاق أكثرهم؛ أن الإقراع واجبٌ، وعن رواية أبي الفيَّاض وغيره أنَّه مُستحَبٌّ وللإمامِ أن يقتله بمَنْ شاء منهم؛ لثبوت الاستحقاقِ للكلِّ على التساوِي؛ قال القاضي الرويانيُّ: وهو الأصحُّ، وعليه جرى القاضي ابن كج وغيره، وحكَوْا عن نص الشافعيِّ -رضي الله عنه- أنه قال: أحببت أن يقرْعَ بينهم، ولو رضُوا بتقديم واحدٍ بلا قرعة، جاز إِذِ الحَقُّ لا يَعْدُوهم، فإن بدَا لَهُم، رُدَّوا إلى القرعة، ذكره الإِمام، ولو كان وليُّ بعض القتلَى غائباً [أو صبيّاً أو مجنوناً]، فالقياس الظاهر الانتظارُ، إذا قلنا: لا بد من الإقراع، وفي "الوسيط" عن رواية حرملةَ: أن للحاضر والكامل أنْ يقتص ويكون الحضورُ أو الكمالُ مرجِّحاً للقرعة، فإن أشكل الحالُ، فلم نَدْرِ أَقَتَلَهُمْ دفعةً واحدةً أو عَلَى الترتيب، جُعِل كما لو قتلهم معاً، وأُقْرِع بينهم، فإن أقرّ بسَبْق قتلهم بعْضِهم، اقتص منه [وليه]؛ لأنه أقر على نفْسه بحَقٍّ له.

قال أبو الفرجِ السرخسيُّ: ولوليِّ غيره تحليفُه، إن كذَّبه (١).


(١) ما جزم به من الأقراع في هذه الحالة جزم به الأصحاب وهو مشكل من جهة أنه قد يكون قتلهم على الترتيب فتخرج القرعة لغير الأول فيؤدي إلى قتل غير المستحق فإن قتل هو مستحق للقصاص أيضاً دون التقديم قلنا: فالقرعة لا تقتضي استحقاقه للتقديم والأقرب في هذه الحالة أحد أمرين إما أن يقال يتعذر القصاص وللكل الديات. وإما أن يقال يقتل بالمجموع وليهم ما بقي من الديات.

<<  <  ج: ص:  >  >>