القصاصَ في الطَّرَف، فله ذلك؛ لأنهما حقَّان ثبتا له، فالعفْو عن أحدهما لا يُسْقِط الآخَر، كما لو كان الاسْتحقاقُ لشخصَيْن. وفي "الوسيط" حكايةُ وجه: أنَّه إذا عفا عن النفس، فقد التزم بقَاء الأطْراف، فيسقط فصاحبُ الطَّرَف، ولم ينقل الإمامُ في هذه الصورة خلافاً، وإنما حَكَى في عكسِه، وهو ما إذا عفا عنْ قصاص الطَّرَف وجهَيْن عن رواية صَاحِب "التقريب".
أحدهما: وهو المذكور في الكتاب: أنَّه لا يَسْقُطَ فصاحب قصاص النفس؛ لِمَا مَرَّ.
والثاني: يسقط؛ لأن العفْو عن الطرَف ضامنٌ لسلامته، وفي قصاص النفْس إتلافُ الطَّرَف. قال: ولم يُحْكِ صاحبُ "التقريب" خلافاً في أن العفْو عن قصاص النفْس يُسْقِط قصاص الطَّرَف، وإن كان القَطْع قد يَسْرِي، والله أعلمُ بسبب اضطراب روايتهما.
ولو استحقَّ قصاص النَّفْس بقُطْع الطرَف؛ بأن كان الجانِي قد قطَع يد المجنيِّ عليه، ومات بالسراية، ثم عفا الوليُّ عن قصاص النفْس، فليس له قطْع الطَّرَف؛ لأن المستَحقَّ هو القتْلُ، والقطع طريقُه، وقد عفا عن المستَحقِّ، وإن عفا عن القَطْع، فهل له حَزُّ رقبته فيه وجهان:
أحدهما: لا؛ لأنه استحقَّ القتل بالطريق السَّارِي، وقد تركه.
وأقواهما: نعم؛ لأنه يتمكَّن من العدول إلى حَزِّ الرقبة على ما سَبَق، فلعلَّه قصد ذلك، وأيضاً، فله أن يقطع يدَه، ثم يحزَّ رقبته، ففي العفْو عن القطْع تسهيلُ الأمر عليه، وترك لإيلام القطع، ولو قَطَع يده ثم حزَّ رقبته قبل الاندمال، فعفو الوليِّ عن القطْع لا يُسْقِط حز الرقبة، وكذا عفْوُه عن قصاص النفس لا يسقط القَطْع؛ لأن الزهوق حصَلَ بجناية مستحَقَّة، وهما حقَّان مقصودانِ في نفسهما، ليس الأول طريقاً للثاني.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: إذا قتل رجلاً بالقطع الساري، فقطعه الوليُّ، ثم عفا عن النفس مجاناً، فإن سَرَى القطع، بأن بطلان العفْو، وإن وَقف، صحَّ العفو، ولم يلزمه بقطع اليد [شيء] وكذلك، لو كان. قد قَتَله بغَيْر القطع، وقطع الوليُّ يده متحدياً، ثم عفا عنه، لا ضمان عليه.