للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقوي (١) هذا الوجهَ: أنه لم يُجْزِ (٢) رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- للأذنين ذِكْراً في كتابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- مع سائر الأعضاءِ الَّتي أوجبَ فيها الدِّيَةَ، وذلك يُشْعِر بإخراجها عن الأعضاء التي لها بدلٌ مقدَّر، ولكن الموجهين (٣) لظاهر المذهب رَوَوْا (٤) عن كتاب عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أنَّ في الأذنين (٥) خمسِينَ من الإبل (٦)، وعن عمر وعليٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-؛ أنَّهُمَا قالا: في الأذنين الدية (٧).

واحتجُّوا أيضاً؛ بأن الأذن جنس مثنَّى (٨) من الأعضاء، مضمونٌ، فيضمن بكمال الدية؛ كاليدين، والعينين، وبأن فيهما مع الجمال منفعةً من وجهين:

أحدهما: أنها تجمع الصوت وتؤديه إلى الصماخ ومحلِّ السماع.

والثاني: أنها تمنع الماء والهوامَّ؛ فإنه يحيى بسبب معاطفها وتعاريجاتها بدبيب الهوامِّ، فيطردها.

وإذا قلنا؛ بالظاهر، ففي إحدى الأذنَيْنِ نصْفُ الدية، وفي بعضها بقسط، وتقدَّر بالمساحة، ولا فرق (٩) بين الأعلى والأسفل، كان اختلفا في الجمال والمنفعة؛ كما لا فَرْقَ بين الأسنان والأصابع، كان اختلفتْ في المنافعِ، ولا فرق في الديَةِ بين أذن السميع والأصمِّ؛ لاستوائهما في السلامة، وليس السمعُ في نفس الأذن، ولو ضرب (١٠) على أذنه، فاستحشفت، والاستحشافُ في الأذن كالشلل (١١) في اليَدِ، يقال: استحشفَتِ الأذنُ، إذا يَبِسَتْ، وصارَت كَحَشَفِ التَّمْرِ، وفيما يجب علَى الجاني قولانِ منقولانِ عن "الأم":

أصحهما، على ما ذكر في "التهذيب": أنه يجب كمالُ الدية، كما لو ضرب على يده، فشَلَّت.

والثاني، ويحكَى عن أبي حنيفة: أنه لا يجب إلا الحكومة؛ لأن منفعتها لا تبطلُ بالاستحشاف؛ بخلاف شلل اليد؛ فإنه تُبطل منفعتها، وأشار في الكتاب إلى بناء الخلاف عَلَى أن الدية في الأذن تجبُ، لما فيها من جمع الصوت، أو لما فيها من مَنْع


(١) في ز: يهون.
(٢) في ز: يحد.
(٣) في ز: الوجهين
(٤) في ز: وروى.
(٥) في أ: الأذن.
(٦) تقدم.
(٧) رواه البيهقي عنهما، وفي الطريق عن عمر انقطاع. قاله الحافظ في التلخيص.
(٨) في ز: مبني.
(٩) سقط في ز.
(١٠) سقط في ز.
(١١) في ز: كالشلاء.

<<  <  ج: ص:  >  >>