للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من التقطيع والترديدِ، فعليه لإبطال الصوت الديةُ؛ لأنَّه من المنافع المقصودةِ في غرض الإعلام والزجْرِ، وغيرهما، وإنْ أبطل مع ذلك حركَةَ اللسانِ؛ حتى عجز عن الترديد والتقطيع، فوجهان:

أرجحهما، على ما يقتضيه نَظْم الكتاب: أنَّه يلزمه ديتانِ (١)؛ لأنهما منفعتانِ مختلفتانِ، وفي كل واحدةٍ منهما إذا أفردتْ بالتفويت كمالُ الديةِ، فإذا فوتتا، وجب ديتان.

والثاني: لا يلزم إلاَّ ديةٌ واحدةٌ؛ لأن المقصودَ الكلامُ، لكنه يفوَّت بطريقين: انقطاع الصوت، وعجز اللسان عن الحركة، وقد يجتمع الطريقانِ، وقد يوجَدُ أحدهما خاصَّة، وإذا قلنا: يجب ديتان، وكانت (٢) حركة اللسانِ باقيةً، فقد تعطَّل النطق بسَبَب فواتِ الصوْتِ، فيجيء الخلافُ المذكورُ في أن تعطُّل المنفعةِ، هل هو كزوالها، فإن جعلناه كزوالها، وجبت ديتانِ أيضًا، وإلا لم يلزم إلا ديةٌ (٣)، ومثل هذا الخلافِ الخلافُ في أنَّ من أزال سمع الصبي قبل أنْ يبلغ مظِنَّة النطق، وتعطَّل لذلك نطقه لم (٤) يلزمه لذلك (٥) ديةٌ أو ديتان؟ وهو مبنيٌّ على الخلافِ الذي مَرَّ في أنَّه، هلْ يجب عَلَى قاطع لسانِهِ الديةُ أم لا؟ إنْ قلنا: يجبُ، فليس على مزيلِ السمعِ إلاَّ ديةٌ واحدةٌ، وإنْ قلْنا: لا يجبُ، فعليه ديتان، وكذلكَ في كاسِرِ الفَقارِ، مع قاطع الرِّجْلِ المعطَّلة بكَسْر الفَقارِ، [والله أعلم].

قال الغَزَالِيُّ: السَّابِعَةُ: الذَّوْقُ: وَفِيهِ كَمَالُ الدِّيَةِ، وَيُجَرَّبُ بِالأَشْيَاءِ المُرَّةِ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: في إبطالِ الذوقِ الديةُ؛ كما في إبطال السمْعِ والبصرِ وسائِرِ الحواسِّ، وقد يفرض ذلك بالجنايةِ على اللِّسان، وعلى الرقبة وغيرهما، واختلف كلام الأئمة؛ أن إيجاب الدية في الذوقِ منصوصٌ عليه للشافعيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أوْ مقيسٌ بما نصَّ عليه. والمُدْرَك بالذوْقِ خمسةُ أشياءَ: الحلاوةُ، والحموضةُ، والمرارةُ، والملوحةُ، والعُذُوبة.


(١) قيل قضيته أن المسألة شهيرة بالوجهين وإنما هذا من كلام الإِمام وتصرفه وقد سبق أن الصواب وجوب دية الكلام خاصة والامام لم يجزم بأن الوجهين فيه وإن أشار إلى ذلك لكن الغزالي فهم من كلامه الوجهين وصرح بهما وتابعه الرافعي وليس ذلك بموجود في كلام الأصحاب. قاله في الخادم.
(٢) في ز: وفاتت.
(٣) تسويته بن الصورتين في الخلاف فيه نظر لأن الكلام صوت مخصوص ومتى زال الصوت زال الكلام فليس عدم الكلام تعطل حيننذ بل زوال ولا اعتبار بحركة اللسان لأن الكلام ليس فيه حقيقة وإنما هو متصرف في الصوت ويخرجه على صفة مخصوصة فلا ينبغي أن يجب إلا دية واحدة.
(٤) سقط في ز.
(٥) سقط في ز.

<<  <  ج: ص:  >  >>