قَالَ الرَّافِعِيُّ،: غرض القسم بيانُ أن الواجب في إهلاكِ النفسِ وما دون النفس، كما يجب بمباشرةِ الإهْلاَك يجبُ بالتسبُّب إليه، وقد مرَّ أن مراتب الشيء؛ الَّذي له أثَرٌ في الهلاك ثلاثٌ، وهي: العلَّة، والسبَب، والشرط، وذكرنا في الغضْب وغيره؛ أن صاحب الكتاب لم يجر في الحَفْر على طريقة واحدةٍ، بل سمَّاه تارةً سببًا، وأخرى شرطًا، والتقسيم الذي ينطبقُ عليه المسائلُ هاهنا أن يقالَ: ما يحصل الهلاكُ عنده أو عَقِيبه؛ إما أن يكونَ هو المؤثِّر في الهلاك، أو لا يكون، إنْ كان، فهو علَّة الهلاك، ويتعلَّق به الديةُ لا محالة، وإن لم يكن، هو المؤثر، فإما أن يتوقَّف تأثير المؤثِّر في الهلاك عليه أو لا يتوقَّف، إن توقَّف؛ كالحفْر مع التردِّي، فيتعلق به الدية أيضًا على ما سيأتي، إن شاء الله تعالَى، وإن لم يتوقَّف، لم يتعلَّق به الدية، والموت عنده اتفاقيٌّ، ثم في الفصل صورٌ:
إحداها: لو صَفَعَهُ صَفْعةً خفيفة، فمات، فلا ضمان؛ للعلمْ بأنه لا أثر لَهَا في الهلاك، وبأنه وافق قَدَرًا، كما لو كلَّمه أو صافَحَه، فمات، وفي بعض النسخ "صعقة" وهو صحيحٌ أيضًا.
الثانيةُ: إذا صاح على صبيٍّ غير مميِّز على طرف سطْحِ أو بئر، أو نَهْر، فارتعد، وسقط منه، ومات، وجب ضمانه؛ لأنَّ الصبيَّ الضعيفَ كثيرًا ما يتأثر، ويضْطرب بالصيحة الشديدة، وهلْ عليه القصاصُ؟ فيه وجهان، ويقال قولان:
أصحُّهما: المنعُ، ومن يوجبه كأنه يدعي أن التأثُّر بها غالبٌ، ورتَّب الخلاف على الخلافِ فيما إذا حفر بئرًا في الدِّهليز، ودعا غيره عليه، وجعلت هذه الصور أولَى بوجوب القصاص (١)؛ لأن تأثير الصيحة في الارتعادِ والاضطراب أشدُّ من تأثير الدعوة في التخطِّي والتردِّي، ولو كان الصبيُّ على وجه الأرض، وماَت من الصيحة، ففيه وجهان، حكى الإِمام عن بعْضِهم؛ أنه أجراه مجرى الارتعادِ، والسقُوطِ من حَرْف الجدار، والأظهرُ خلافه؛ لأن الموتَ على استواء الأرض بمجرَّد الصيحة في غاية البعد، وتأثيرها في الارتعادِ والسقوطِ قريبٌ، ولو صاحَ على بالغٍ على طرف سطحٍ