وقوله:"فضمانُهُما على عاقِلَةِ الحافِرِ"، يجوز أن يُعْلَم بالواو؛ لأن الحافر، وإن قدر أنه كالمَكْرَهِ، فقد قدَّمنا وجهًا؛ أن ضمان المال علَى المُكْرِهِ، دون المكْرَه.
وكذا قوله:"حتَّى يرجِعُوا به عَلَى عاقلة الحافر" لوجهٍ آخر، أنَّ الضمان يتقرَّر عليهما بالسوية، فلا يرجع المكره، إذا غرم النصف.
وقوله:"بنصْفِ الدية" يوافقُ قَوْلَ من قال: إن الضَّمَان الذي يتعلَّق بالثاني نصْفُ الدية لا جميعها، [والله أعلم].
الحالة الثانية: أنْ يقَعَ الثاني في البئْر بجذب الأول، فإذا تَزَلَّق على طرف البئر، فجذب غيره، ووقع في البئر، ووقع المَجْذُوب فوقه، فماتا، فالثاني هلك بجَذْب الأول، فكأنه أخذه، وألقاه في البئْر إلاَّ أنه قَصَد الاستمساكَ والتحرُّز عن الوقوع، فكان مخطئًا؛ ووجب ضمان الثاني على عاقلته، وأما الأول، فإن كان الحفْرُ عدوانًا، ففيه وجهان:
أحدهما، ويحكَى عن الخُضَرِّي: أنه مُهْدَر لا يتعلَّق شيءٌ من ضمانه بحافر البئر؛ لأن الحفر سبَبٌ، والذي وجد منه، وهو جذب الثاني مباشرة، فصار كَمَا إذا حفر بئرًا عدوانًا، وطرح آخر فيها نفْسَه لا يجب على الحافر شيْءٌ من ضمانه.
والثاني: أنَّه يجبُ نصف ديته على عاقلة الحَافر، ويُهْدَر النصْفُ؛ لأنه مات بسببين؛ صدمةِ البئرِ، وثِقَلِ الثاني، والثَّاني: فعلُه، فيهدَرُ النصفُ، ويجب النصف، وهذا أصحُّ على ما ذكره الشيخ أبو علي وغيره، وأجاب الشيخ عن الأول؛ بأن ابتداءَ السقوط والتردِّي لم يكن بفعْلِهِ واختياره، والجَذْب وجد بعْدَ ذلك، كأنه زَلِقَتْ رجْلُه، أو انهار طَرَفٌ من أطراف البئر، فتعلَّق بغيره مستمسكًا، فانقلع الغَيْرُ معه، ويخالف ما إذا طرح نفسه في البئر قصْدًا؛ فإنه أحدث سبب الهلاك باختياره، وإن لم يكن الحفر عدوانًا، فالأول مُهْدَر بلا خلاف، وليحمل على هذه الحالةِ إطلاقُ من أطلق القولَ بإهدار الأول، وقد أطلقه كثيرون (١)، ولو كان التصويرُ كما ذكرنا، وجذب الثاني ثالثًا، وماتوا جميعًا، فأما الأول، ففيه وجهان:
أحدهما: أنه يُهْدَر نصْفُ ديته لجذْبه الثاني، وبجبُ نصفها على عاقلة الثَّاني؛ لجذْبه الثالث، فإنه مات بثقلهما، وهذا ما أورده جماعةٌ، منهم صاحبُ "التهذيب" والقاضي الرويانيُّ، وهو مبنى على أن الحفْر لا أثر له مع الجَذْب.
(١) منهم الماوردي والروياني وابن الصباغ وصاحب البيان وغيرهم وعلى هذا فيرتفع الخلاف في المسألة لكن الطبري في العدة حكى عن الحصري التصوير في التعدي.