للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: "وأما الذِّمِّيُّ إذا لم يكن له عَاقِلَةٌ ... " إلى آخره، كالمُكَرَّرِ؛ لأنه قال في

الجِهَةِ الثَّانِيَةِ: وإن كان ذِمِّيّاً رَجَعْنَا إلى الجَانِي، وكأنه أعَادَهُ لِيُبيِّنَ أن ما قيل في حَقِّ المسلم أنه يُنْتَظَرُ يَسَارُ بَيْتِ المال، لا مَجَالَ له في حَقِّ الذِّمِّيِّ؛ لأن بيت المَالِ لا تحمل عنه. ويجوز أن يُعْلَمَ قوله: "فيطالب" بالواو؛ لما قَدَّمْنَاهُ عن "البَيَان".

وقوله: "بعد مُضِيَّ الأَجَلِ" لا ضَرُورَةَ إلى ذِكْرهِ في هذا المَوْضِعِ، لِلْعِلْم بأن الدِّيَةَ المُتَحَمَّلَةَ مؤجَّلَةٌ، والمُطَالَبَة تكون بعد مُضِيِّ الأَجَلِ أَبَداً.

وقوله: "وكذا إذا اعترف [الجاني] (١) بالخَطَأِ"، ليُعْلَم بالزاي.

وقوله: "إذ لا ينتظر إِقْرَار العَاقِلَةِ" أراد به أن الوَجْهَ المذكور في أنه يُنْتَظَرُ يَسَارُ بَيْتِ المال لا يَجِيءُ في انتظار [إقرار] (٢) العاقلة؛ لأن تَوَقُّعَ اليَسَارِ قَرِيبٌ، وتوقع إقرارهم بعد الإِنكار بَعِيدٌ.

وقوله: "وَقَعَ الرُّجُوعُ عليهم" يعني رُجُوعَ الجاني على ما هو مُبيَّنٌ في "الوسيط"، وذلك إذا قلنا: إن الوُجُوبَ يُلاَقِيهِ، وليعلم بالواو للوجه الآخر، [والله أعلم].

قال الغَزَالِيُّ: وَمَا دُونَ أَرْشِ المُوَضِّحَةِ مَضْرُوبٌ (ح م و) عَلَى العَاقِلَةِ بَلْ لَوْ كَانَ الأَرْشُ نِصْفَ دِينَارٍ وَزَعْنَاهُ عَلَى العَاقِلَةِ، وَإِنْ كَانُوا مَائَةً طُولِبَ جَمِيعُهُمْ بِنِصْفِ دِينَارٍ مُشْتَرِكٍ عَلَى وَجْهٍ، وَعَلَى وَجْهٍ يُعَيِّنُ القَاضِي وَاحِداً كَيْ لاَ يَعْسُرَ الطَّلَبُ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: فيه صورتان:

إحداهما: كما أن دِيَةَ النَّفْسِ تُضْرَبُ على العَاقِلَةِ، فكذلك بَدَلُ الأَطْرَافِ، وأُرُوشُ الجِرَاحَاتِ والحُكُومَاتِ، قَلِيلِهَا وَكَثِيرِهَا، تُضْرَبُ عليهم. هذا هو المذهب الجَدِيدُ.

ويحكى عن القديم قولان آخران:

أحدهما: أنها لا تُضْرَبُ عليهم؛ لأن تَحَمُّلَ العَاقِلَةِ خِلاَفُ القياس، لكن الشرع وَرَدَ به في دِيَةِ النَّفْسِ، فَيُقْتَصَرُ عليه.

وأيضاً فإن ما دُونَ النَّفْسِ سَبيلُهُ سَبيلُ ضَمَانِ الأموال، ألا ترى أنه لا يَتَعلَّقُ به الكَفَّارَةُ، ولا تدخله القَسَامَةُ؟!

والثاني: أن ما دون ثُلُثِ الدِّيَةِ لا يُضْرَبُ على العَاقِلَةِ، بل يكون في مَالِ الجاني؛ لأنه لا يعظم إِجْحَافه به، فلا يحتاج فيه إلى التحمل والمُوَاسَاةِ، وبهذا قال مَالِكٌ وأَحْمَدُ.


(١) سقط في ز.
(٢) سقط في ز.

<<  <  ج: ص:  >  >>